المسألة الثانية : قوله ﴿إِلَى اللَّه ﴾ فيه وجوه الأول : التقدير : من أنصاري حال ذهابي إلى الله أو حال التجائي إلى الله والثاني : التقدير : من أنصاري إلى أن أبين أمر الله تعالى، وإلى أن أظهر دينه ويكون إلى ههنا غاية كأنه أراد من يثبت على نصرتي إلى أن تتم دعوتي، ويظهر أمر الله تعالى الثالث : قال الأكثرون من أهل اللغة إلى ههنا بمعنى مع قال تعالى :﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى ا أَمْوَالِكُمْ ﴾ (النساء : ٢) أي معها، وقال صلى الله عليه وسلّم :"الذود إلى الذود إبل" أي مع الذود.
قال الزجاج : كلمة ﴿إِلَى ﴾ ليست بمعنى مع فإنك لو قلت ذهب زيد إلى عمرو لم يجز أن تقول : ذهب زيد مع عمرو لأن ﴿إِلَى ﴾ تفيد الغاية و﴿مَّعَ﴾ تفيد ضم الشيء إلى الشيء، بل المراد من قولنا أن ﴿إِلَى ﴾ ههنا بمعنى ﴿مَّعَ﴾ هو أنه يفيد فائدتها من حيث أن المراد من يضيف نصرته إلى نصرة الله إياي وكذلك المراد من قوله ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى ا أَمْوَالِكُمْ ﴾ (النساء : ٢) أي لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم، وكذلك قوله عليه السلام :"الذود إلى الذود إبل" معناه : الذود مضموماً إلى الذود إبل والرابع : أن يكون المعنى من أنصاري فيما يكون قربة إلى الله ووسيلة إليه، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلّم كان يقول إذا ضحى "اللّهم منك وإليك" أي تقرباً إليك، ويقول الرجل لغيره عند دعائه إياته ﴿إِلَى ﴾ أي انضم إلى، فكذا ههنا المعنى من أنصاري فيما يكون قربة إلى الله تعالى الخامس : أن يكون ﴿إِلَى ﴾ بمعنى اللام كأنه قال : من أنصاري لله نظيره قوله تعالى :﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآا ِكُم مَّن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّا قُلِ اللَّهُ يَهْدِى لِلْحَقِّ ﴾ (يونس : ٣٥) والسادس : تقدير الآية : من أنصاري في سبيل الله. و(إلى) بمعنى (في) جائز، وهذا قول الحسن.
أما قوله تعالى :﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في لفظ وجوهاً الأول : أن الحواري اسم موضوع /لخاصة الرجل، وخالصته، ومنه يقال للدقيق حواري، لأنه هو الخالص منه، وقال صلى الله عليه وسلّم للزبير :"إنه ابن عمتي، وحواري من أمتي" والحواريات من النساء النقيات الألوان والجلود، فعلى هذا الحواريون هم صفوة الأنبياء الذي خلصوا وأخلصوا في التصديق بهم وفي نصرتهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٦
القول الثاني : الحواري أصله من الحور، وهو شدة البياض، ومنه قيل للدقيق حواري، ومنه الأحور، والحور نقاء بياض العين، وحورت الثياب : بيضتها، وعلى هذا القول اختلفوا في أن أولئك لم سموا بهذا الاسم ؟
فقال سعيد بن جبير : لبياض ثيابهم، وقيل كانوا قصارين، يبيضون الثياب، وقيل لأن قلوبهم كانت نقية طاهرة من كل نفاق وريبة فسموا بذلك مدحاً لهم، وإشارة إلى نقاء قلوبهم، كالثوب الأبيض، وهذا كما يقال فلان نقي الجيب، طاهر الذيل، إذا كان بعيداً عن الأفعال الذميمة، وفلان دنس الثياب : إذا كان مقدماً على ما لا ينبغي.
القول الثالث : قال الضحاك : مرّ عيسى عليه السلام بقوم من الذين كانوا يغسلون الثياب، فدعاهم إلى الإيمان فآمنوا، والذي يغسل الثياب يسمى بلغة النبط هواري، وهو القصار فعربت هذه اللفظة فصارت حواري، وقال مقاتل بن سليمان : الحواريون : هم القصارون، وإذا عرفت أصل هذا اللفظ فقد صار بعرف الاستعمال دليلاً على خواص الرجل وبطانته.
المسألة الثانية : اختلفوا في أن هؤلاء الحواريين من كانوا ؟
فالقول الأول : إنه عليه السلام مرّ بهم وهم يصطادون السمك فقال لهم "تعالوا نصطاد الناس" قالوا : من أنت ؟
قال :"أنا عيسى بن مريم، عبد الله ورسوله" فطلبوا من المعجز على ما قال فلما أظهر المعجز آمنوا به، فهم الحواريون.
القول الثاني : قالوا : سلمته أمه إلى صباغ، فكان إذا أراد أن يعلمه شيئاً كان هو أعلم به منه وأراد الصباغ أن يغيب لبعض مهماته، فقال له : ههنا ثياب مختلفة، وقد علمت على كل واحد علامة معينة، فاصبغها بتلك الألوان، بحيث يتم المقصود عند رجوعي، ثم غاب فطبخ عيسى عليه السلام جباً واحداً، وجعل الجميع فيه وقال :"كوني بإذن الله كما أريد" فرجع الصباغ فأخبره بما فعل فقال : قد أفسدت علي الثياب، قال :"قم فانظر" فكان يخرج ثوباً أحمر، وثوباً أخضر، وثوباً أصفر كما كان يريد، إلى أن أخرج الجميع على الألوان التي أرادها، فتعجب الحاضرون منه، وآمنوا به فهم الحواريون.
القول الثالث : كانوا الحواريون إثنى عشر رجلاً اتبعوا عيسى عليه السلام، وكانوا إذا قالوا : يا روح الله جعنا، فيضرب بيده إلى الأرض، فيخرج لكل واحد رغيفان، وإذا عطشوا قالوا يا روح الله : عطشنا، فيضرب بيده إلى الأرض، فيخرج الماء فيشربون، فقالوا : من أفضل منا إذا شئنا أطعمتنا، وإذا شئنا سقيتنا، وقد آمنا بك فقال :"أفضل منكم من يعمل بيده، ويأكل من /كسبه" فصاروا يغسلون الثياب بالكراء، فسموا حواريين.


الصفحة التالية
Icon