جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٨٢
الوجه الثاني : في بيان أن هذه الأسماء غير منصرفة أن فيها عدلين لأنها معدولة عن أصولها كما بيناه، وأيضا انها معدولة عن تكررها فانك لا تريد بقولك : مثنى ثنتين فقط، بل ثنتين ثنتين، فاذا قلت : جاءني اثنان أو ثلاثة كان غرضك الاخبار عن مجيء هذا العدد فقط، أما إذا قلت : جاءني القوم مثنى أفاد أن ترتيب مجيئهم وقع اثنين اثنين، فثبت أنه حصل في هذه الألفاظ نوعان من العدد فوجب أن يمنع من الصرف، وذلك لأنه إذا اجتمع في الاسم سببان أوجب ذلك منع الصرف، لأنه يصير لأجل ذلك نائبا من جهتين فيصير مشابها للفعل فيمتنع صرفه، وكذا إذا حصل فيه العدل من جهتين فوجب أن يمنع صرفه والله أعلم.
المسألة الخامسة : قال أهل التحقيق :﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ﴾ لا يتناول العبيد وذلك لأن الخطاب إنما يتناول إنسانا متى طابت له امرأة قدر على نكاحها، والعبد ليس كذلك بدليل أنه لا يتمكن من النكاح إلا باذن مولاه، ويدل عليه القرآن والخبر، أما القرآن فقوله تعالى :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ﴾ (النحل : ٧٥) فقوله :﴿لا يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ﴾ ينفي كونه مستقلا بالنكاح، وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام :"أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر" فثبت بما ذكرناه أن / هذه الآية لا يندرج فيها العبد.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : ذهب أكثر الفقهاء إلى أن نكاح الأربع مشروع للأحرار دون العبيد، وقال مالك : يحل للعبد أن يتزوج بالأربع وتمسك بظاهر هذه الآية.
والجواب الذي يعتمد عليه : أن الشافعي احتج على أن هذه الآية مختصة بالأحرار بوجهين آخرين سوى ما ذكرناه : الأول : أنه تعالى قال بعد هذه الآية :﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ ﴾ وهذا لا يكون إلا للأحرار، والثاني : أنه تعالى قال :﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِى ـاًا مَّرِى ـاًا﴾ (النساء : ٤) والعبد لا يأكل ما طابت عنه نفس امرأته من المهر، بل يكون لسيده قال مالك : إذا ورد عمومان مستقلان، فدخول التقييد في الأخير لا يوجب دخوله في السابق.
أجاب الشافعي رضي الله عنه بأن هذه الخطابات في هذه الآيات وردت متوالية على نسق واحد فلما عرف في بعضها اختصاصها بالأحرار عرف أن الكل كذلك، ومن الفقهاء من علم أن ظاهر هذه الآية متناول للعبيد إلا أنهم خصصوا هذا العموم بالقياس، قالوا : أجمعنا على أن للرق تأثيراً في نقصان حقوق النكاح، كالطلاق والعدة، ولما كان العدد من حقوق النكاح وجب أن يحصل للعبد نصف ما للحر، والجواب الأول أولى وأقوى والله أعلم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٨٢
المسألة السادسة : ذهب قوم سدى إلى أنه يجوز التزوج بأي عدد أريد، واحتجوا بالقرآن والخبر، أما القرآن فقد تمسكوا بهذه الآية من ثلاثة أوجه : الأول : أن قوله :﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ﴾ إطلاق في جميع الأعداد بدليل أنه لا عدد إلا ويصح استثناؤه منه، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلا. والثاني : أن قوله :﴿مَثْنَى وَثُلَـاثَ وَرُبَـاعَ ﴾ لا يصلح تخصيصا لذلك العموم، لأن تخصيص بعض الاعداد بالذكر لا ينفي ثبوت الحكم في الباقي، بل نقول : ان ذكر هذه الأعداد يدل على رفع الحرج والحجر مطلقا، فان الانسان إذا قال لولده : افعل ما شئت اذهب إلى السوق وإلى المدينة وإلى البستان، كان تنصيصا في تفويض زمام الخيرة اليه مطلقاً، ورفع الحجر والحرج عنه مطلقاً، ولا يكون ذلك تخصيصاً للاذن بتلك الأشياء المذكورة، بل كان إذنا في المذكور وغيره فكذا ههنا، وأيضاً فذكر جميع الأعداد متعذر/ فاذا ذكر بعض الأعداد بعد قوله :﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ﴾ كان ذلك تنبيها على حصول الاذن في جميع الأعداد. والثالث : أن الواو للجمع المطلق فقوله :﴿مَثْنَى وَثُلَـاثَ وَرُبَـاعَ ﴾ يفيد حل هذا المجموع، وهو يفيد تسعة، بل الحق أنه يفيد ثمانية عشر، لان قوله : مثنى ليس عبارة عن اثنين فقط، بل عن اثنين اثنين وكذا القول في البقية. وأما الخبر فمن وجهين : الأول : أنه ثبت بالتواتر أنهصلى الله عليه وسلّم مات عن/ تسع، ثم ان الله تعالى أمرنا باتباعه فقال :﴿فَاتَّبَعُوهُ﴾ وأقل مراتب الأمر الاباحة. الثاني : أن سنة الرجل طريقته، وكان التزوج بالأكثر من الأربع طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان ذلك سنة له، ثم انه عليه السلام قال :"فمن رغب عن سنتي فليس مني" فظاهر هذا الحديث يقتضي توجه اللوم على من ترك التزوج بأكثر من الأربعة، فلا أقل من أن يثبت أصل الجواز.


الصفحة التالية
Icon