أما القسم الثالث : وهو اذا مات وخلف الأولاد الذكور فقط فنقول : أما الابن الواحد فانه اذا انفرد أخذ كل المال، وبيانه من وجوه : الاول من دلالة قوله تعالى :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ (النساء : ١٧٦) فان هذا يدل على أن نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين.
ثم قال تعالى في البنات :﴿وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ﴾ فلزم من مجموع هاتين الآيتين ان نصيب الابن المفرد جميع المال. الثاني : أنا نستفيد ذلك من السنة وهي قوله عليه الصلاة والسلام :"ما أبقت السهام فلا ولى عصبة ذكر" ولا نزاع ان الابن عصبة ذكر، ولما كان الابن آخذاً لكل ما بقي بعد السهام وجب فيما إذا لم يكن سهام أن يأخذ الكل. الثالث : ان أقرب العصبات إلى الميت هو الابن، وليس له بالاجماع قدر معين من الميراث/ فاذا لم يكن معه صاحب فرض لم يكن له ان يأخذ قدرا أولى منه بأن يأخذ الزائد، فوجب أن يأخذ الكل.
فان قيل : حظ الانثيين هو الثلثان فقوله :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ يقتضي أن يكون حظ / الذكر مطلقا هو الثلث، وذلك ينفي أن يأخذ كل المال.
قلنا : المراد منه حال الاجتماع لا حال الانفراد، ويدل عليه وجهان : أحدهما : ان قوله :﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَـادِكُمْ ﴾ يقتضي حصول الأولاد، وقوله :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ يقتضي حصول الذكر والانثى هناك. والثاني : أنه تعالى ذكر عقيبه حال الانفراد، هذا كله إذا مات وخلف ابنا واحدا فقط، أما إذا مات وخلف أبناء كانوا متشاركين في جهة الاستحقاق ولا رجحان، فوجب قسمة المال بينهم بالسوية والله أعلم. بقي في الآية سؤالان :
السؤال الأول : لا شك أن المرأة أعجز من الرجل لوجوه : أما أولا فلعجزها عن الخروج والبروز، فان زوجها وأقاربها يمنعونها من ذلك. وأما ثانيا : فلنقصان عقلها وكثرة اختداعها واغترارها. وأما ثالثا : فلأنها متى خالطت الرجال صارت متهمة، وإذا ثبت أن عجزها أكمل وجب أن يكون نصيبها من الميراث أكثر، فان لم يكن أكثر فلا أقل من المساواة، فما الحكمة في أنه تعالى جعل نصيبها نصف نصيب الرجل.
والجواب عنه من وجوه : الأول : أن خرج المرأة أقل، لأن زوجها ينفق عليها، وخرج الرجل أكثر لأنه هو المنفق على زوجته، ومن كان خرجه أكثر فهو إلى المال أحوج. الثاني : أن الرجل أكمل حالا من المرأة في الخلقة وفي العقل وفي المناصب الدينية، مثل صلاحية القضاء والامامة، وأيضا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، ومن كان كذلك وجب أن يكون الانعام عليه أزيد. الثالث : ان المرأة قليلة العقل كثيرة الشهوة، فاذا انضاف اليها المال الكثير عظم الفساد قال الشاعر :
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
إن الفراغ والشباب والجده مفسدة للمرء أي مفسده
وقال تعالى :﴿كَلا إِنَّ الانسَـانَ لَيَطْغَى * أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى ﴾ (العلق : ٦ ـ ٧) وحال الرجل بخلاف ذلك. والرابع : أن الرجل لكمال عقله يصرف المال إلى ما يفيده الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة، نحو بناء الرباطات، وإعانة الملهوفين والنفقة على الأيتام والأرامل، وإنما يقدر الرجل على ذلك لأنه يخالط الناس كثيرا، والمرأة تقل مخالطتها مع الناس فلا تقدر على ذلك. الخامس : روي أن جعفر الصادق سئل عن هذه المسألة فقال : إن حواء أخذت حفنة من الحنطة وأكلتها، وأخذت حفنة أخرى وخبأتها، ثم أخذت حفنة أخرى ودفعتها إلى آدم، فلما جعلت نصيب نفسها ضعف نصيب الرجل قلب الله الأمر عليها، فجعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل.
السؤال الثاني : لم لم يقل : للأنثيين مثل حظ الذكر، أو للأنثى مثلا نصف حظ الذكر ؟
والجواب من وجوه : الأول : لما كان الذكر أفضل من الأنثى قدم ذكره على ذكر الأنثى، كما جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى. الثاني : أن قوله :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ يدل على فضل الذكر بالمطابقة وعلى نقص الأنثى بالالتزام، ولو قال : كما ذكرتم لدل ذلك على نقص الأنثى بالمطابقة وفضل الذكر بالالتزام، فرجح الطريق الأول تنبيها على أن السعي في تشهير الفضائل يجب أن يكون راجحا على السعي في تشهير الرذائل، ولهذا قال :﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لانفُسِكُم وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ (الإسراء : ٧) فذكر الاحسان مرتين والاساءة مرة واحدة. الثالث : أنهم كانوا يورثون الذكور دون الاناث وهو السبب لورود هذه الآية، فقيل : كفى للذكر أن جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى، فلا ينبغى له أن يطمع في جعل الأنثى محرومة عن الميراث بالكلية والله أعلم.
المسألة السادسة : لا شك أن اسم الولد واقع على ولد الصلب على سبيل الحقيقة، ولا شك أنه مستعمل في ولد الابن قال تعالى :﴿تَتَّقُونَ * وَإِذْ أَخَذَ﴾ (الأعراف : ٢٦) وقال للذين كانوا في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام :﴿مَعِىَ بَنِى إسرائيل ﴾ (البقرة : ٤٠) الا أن البحث في أن لفظ الولد يقع على ولد الابن مجازاً أو حقيقة.


الصفحة التالية
Icon