فان قلنا : إنه مجاز فنقول : ثبت في أصول الفقه أن اللفظ الواحد لا يجوز أن يستعمل دفعة واحدة في حقيقته وفي مجازه معا، فحينئذ يمتنع أن يريد الله بقوله :﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَـادِكُمْ ﴾ ولد الصلب وولد الابن معا.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
واعلم أن الطريق في دفع هذا الاشكال أن يقال : انا لا نستفيد حكم ولد الابن من هذه الآية بل من السنة ومن القياس، وأما ان أردنا أن نستفيده من هذه الآية فنقول : الولد وولد الابن ما صارا مرادين من هذه الآية معا، وذلك لأن أولاد الابن لا يستحقون الميراث إلا في إحدى حالتين، إما عند عدم ولد الصلب رأسا، وإما عند ما لا يأخذ ولد الصلب كل الميراث، فحينئذ يقتسمون الباقي، وأما أن يستحق ولد الابن مع ولد الصلب على وجه الشركة بينهم كما يستحقه أولاد الصلب بعضهم مع بعض فليس الأمر كذلك، وعلى هذا لا يلزم من دلالة هذه الآية على الولد وعلى ولد الابن أن يكون قد أريد باللفظ الواحد حقيقته ومجازه معا، لأنه حين أريد به ولد الصلب ما أريد به ولد الابن، وحين أريد به ولد الابن ما أريد به ولد الصلب، فالحاصل ان هذه الآية تارة تكون خطابا مع ولد الصلب وأخرى مع ولد الابن، وفي كل واحدة من هاتين الحالتين يكون المراد به شيئا واحداً، أما إذا قلنا : ان وقوع اسم الولد على ولد الصلب وعلى ولد الابن يكون حقيقة، فان جعلنا اللفظ مشتركا بينهما عاد الاشكال، لأنه ثبت أنه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك لافادة معنييه معا، بل الواجب أن يجعله متواطئا فيهما كالحيوان بالنسبة إلى الانسان / والفرس. والذي يدل على صحة ذلك قوله تعالى :﴿وَحَلَـا اـاِلُ أَبْنَآاـاِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَـابِكُمْ﴾ (النساء : ٢٣) وأجمعوا أنه يدخل فيه ابن الصلب وأولاد الابن، فعلمنا أن لفظ الابن متواطىء بالنسبة إلى ولد الصلب وولد الابن، وعلى هذا التقدير يزول الاشكال.
واعلم أن هذا البحث الذي ذكرناه في أن الابن هل يتناول أولاد الابن ؟
قائم في أن لفظ الأب والأم هل يتناول الاجداد والجدات ؟
ولا شك أن ذلك واقع بدليل قوله تعالى :﴿نَعْبُدُ إِلَـاهَكَ وَإِلَـاهَ ءَابَآئِكَ إِبْرَاه مَ وَإِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ﴾ (البقرة : ١٣٣) والأظهر أنه ليس على سبيل الحقيقة، فان الصحابة اتفقوا على أنه ليس للجد حكم مذكور في القرآن، ولو كان اسم الأب يتناول الجد على سبيل الحقيقة لما صح ذلك والله أعلم.
المسألة السابعة : اعلم أن عموم قوله تعالى :﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَـادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ زعموا أنه مخصوص في صور أربعة : أحدها : أن الحر والعبد لا يتوارثان. وثانيها : أن القاتل على سبيل العمد لا يرث. وثالثها : أنه لا يتوارث أهل ملتين، وهذا خبر تلقته الأمة بالقبول وبلغ حد المستفيض، ويتفرع عليه فرعان.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
الفرع الأول : اتفقوا على أن الكافر لا يرث من المسلم، أما المسلم فهل يرث من الكافر ؟
ذهب الأكثرون إلى أنه أيضاً لا يرث، وقال بعضهم : إنه يرث قال الشعبي : قضى معاوية بذلك وكتب به إلى زياد، فأرسل ذلك زياد إلى شريح القاضي وأمره به، وكان شريح قبل ذلك يقضي بعدم التوريث، فلما أمره زياد بذلك كان يقضي به ويقول : هكذا قضى أمير المؤمنين.
حجة الأولين عموم قوله عليه السلام :"لا يتوارث أهل ملتين" وحجة القول الثاني : ما روي أن معاذا كان باليمن فذكروا له أن يهوديا مات وترك أخا مسلما فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول :"الاسلام يزيد ولا ينقص" ثم أكدوا ذلك بأن قالوا إن ظاهر قوله :﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَـادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ يقتضي توريث الكافر من المسلم، والمسلم من الكافر، إلا أنا خصصناه بقوله عليه الصلاة والسلام :"لا يتوارث أهل ملتين" لأن هذا الخبر أخص من تلك الآية، والخاص مقدم على العام فكذا ههنا قوله :"الاسلام يزيد ولا ينقص" أخص من قوله :"لا يتوارث أهل ملتين" فوجب تقديمه عليه، بل هذا التخصيص أولى، لأن ظاهر هذا الخبر متأكد بعموم الآية، والخبر الأول ليس كذلك، وأقصى ما قيل في جوابه : أن قوله :"الاسلام يزيد ولا ينقص" ليس نصا في واقعة الميراث فوجب حمله على سائر الاحوال.
الفرع الثاني : المسلم إذا ارتد ثم مات أو قتل، فالمال الذي اكتسبه في زمان الردة أجمعوا / على أنه لا يورث، بل يكون لبيت المال، أما المال الذي اكتسبه حال كونه مسلما ففيه قولان : قال الشافعي : لا يورث بل يكون لبيت المال، وقال أبو حنيفة : يرثه ورثته من المسلمين، حجة الشافعي أنا أجمعنا على ترجيح قوله عليه السلام :"لا يتوارث أهل ملتين" على عموم قوله :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ والمرتد وورثته من المسلمين أهل ملتين، فوجب أن لا يحصل التوارث.


الصفحة التالية
Icon