المسألة الأولى : اعلم أن هذا هو الحالة الثانية من أحوال الأبوين، وهو أن لا يحصل معهما أحد من الأولاد، ولا يكون هناك وارث سواهما، وهو المراد من قوله :﴿وَوَرِثَه ا أَبَوَاهُ﴾ فههنا للأم الثلث، وذلك فرض لها، والباقي للأب، وذلك لأن قوله :﴿وَوَرِثَه ا أَبَوَاهُ﴾ ظاهره مشعر بأنه لا وارث له سواهما، واذا كان كذلك كان مجموع المال لهما، فاذا كان نصيب الأم هو الثلث وجب أن يكون الباقي وهو الثلثان للأب، فههنا يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين كما في حق الأولاد، ويتفرع على ما ذكرنا فرعان : الأول : أن الآية السابقة دلت على أن فرض الاب هو السدس، وفي هذه الصورة يأخذ الثلثين إلا أنه ههنا يأخذ السدس بالفريضة، والنصف بالتعصيب. الثاني : لما ثبت أنه يأخذ النصف بالتعصيب في هذه الصورة وجب أن يكون الأب اذا انفرد أن يأخذ كل المال، لأن خاصية العصبة هو أن يأخذ الكل عند الانفراد، هذا كله اذا لم يكن للميت وارث سوى الأبوين، أما اذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين فذهب أكثر الصحابة الى أن الزوج يأخذ نصيبه ثم يدفع ثلث ما بقي الى الأم، ويدفع الباقي الى الأب، وقال ابن عباس : يدفع الى الزوج نصيبه، والى الأم الثلث، ويدفع الباقي الى الأب، وقال : لا أجد في كتاب الله ثلث ما بقي، وعن ابن سيرين أنه وافق ابن عباس في الزوجة والأبوين، وخالفه في الزوج والأبوين، لأنه يفضي الى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين، وأما في الزوجة فانه لا يفضي الى ذلك، وحجة الجمهور وجوه : الأول : أن قاعدة الميراث أنه متى اجتمع الرجل والمرأة من جنس واحد كان للذكر مثل حظ الأنثيين، ألا ترى أن الابن مع البنت كذلك قال تعالى :﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَـادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ (النساء : ١٧٦)وأيضا الأخ مع الأخت كذلك قال تعالى :﴿وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالا وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ وأيضا الأم مع الأب كذلك، لأنا بينا أنه اذا كان لا وارث غيرهما فللأم الثلث، وللأب الثلثان، اذا ثبت هذا فنقول : اذا أخذ الزوج نصيبه وجب أن يبقى الباقي بين الأبوين أثلاثا، للذكر مثل حظ الأنثيين. الثاني : أن الأبوين يشبهان شريكين بينهما مال، فاذا صار شيء منه مستحقا بقي الباقي بينهما على قدر الاستحقاق الأول، الثالث : أن الزوج إنما أخذ سهمه بحكم عقد النكاح لا بحكم القرابة، فأشبه الوصية في قسمة الباقي، الرابع : أن المرأة اذا خلفت زوجا وأبوين فللزوج النصف، فلو دفعنا الثلث الى الأم والسدس الى الأب لزم أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين، وهذا خلاف قوله :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
واعلم أن الوجوه الثلاثة الأول : يرجع حاصلها الى تخصيص عموم القرآن بالقياس.
وأما الوجه الرابع : فهو تخصيص لأحد العمومين بالعموم الثاني.
المسألة الثانية : قرأ حمزة والكسائي ﴿فَلامِّهِ﴾ بكسر الهمزة والميم وشرطوا في جواز هذه الكسرة أن يكون ما قبلها حرفا مكسرواً أو ياء.
أما الأول : فكقوله :﴿فِى بُطُونِ أُمَّهَـاتِكُمْ﴾ (الزمر : ٦).
وأما الثاني : فكقوله :﴿فِى أُمِّهَا رَسُولا﴾ (القصص : ٥٩) وإذا لم يوجد هذا الشرط فليس إلا الضم كقوله :﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّه ا ءَايَةً﴾ وأما الباقون فانهم قرؤا بضم الهمزة، أما وجه من قرأ بالكسر قال الزجاج : انهم استثقلوا الضمة بعد الكسرة في قوله :﴿فَلامِّهِ﴾ وذلك لأن اللام لشدة اتصالها بالأم صار المجموع كأنه كلمة واحدة، وليس في كلام العرب فعل بكسر الفاء وضم العين، فلا جرم جعلت الضمة كسرة، وأما وجه من قرأ الهمزة بالضم فهو أتى بها على الأصل، ولا يلزم منه استعمال فعل لأن اللازم في حكم المنفصل والله أعلم.
قوله تعالى :﴿فَإِن كَانَ لَه ا إِخْوَةٌ فَلامِّهِ السُّدُسُ ﴾.
اعلم أن هذا هو الحالة الثالثة من أحوال الأبوين وهي أن يوجد معهما الاخوة، والأخوات وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اتفقوا على أن الأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس، واتفقوا على أن الثلاثة يحجبون، واختلفوا في الأختين، فالأكثرون من الصحابة على القول باثبات / الحجب كما في الثلاثة، وقال ابن عباس : لا يحجبان كما في حق الواحدة، حجة ابن عباس أن الآية دالة على أن هذا الحجب مشروط بوجود الاخوة، ولفظ الاخوة جمع وأقل الجمع ثلاثة على ما ثبت في أصول الفقه، فاذا لم توجد الثلاثة لم يحصل شرط الحجب، فوجب أن لا يحصل الحجب. روي أن ابن عباس قال لعثمان : بم صار الاخوان يردان الأم من الثلث إلى السدس ؟
وإنما قال الله تعالى :﴿فَإِن كَانَ لَه ا إِخْوَةٌ﴾ والأخوان في لسان قومك ليسا باخوة ؟
فقال عثمان : لا أستطيع أن أرد قضاء قضى به من قبلي ومضى في الأمصار.


الصفحة التالية
Icon