المسألة الرابعة : قوله :﴿يُورَثُ﴾ فيه احتمالان : الأول : أن يكون ذلك مأخوذاً من ورثه الرجل يرثه، وعلى هذا التقدير يكون الرجل هو الموروث منه، وفي انتصاب كلالة وجوه : أحدها : النصب على الحال، والتقدير : يورث حال كونه كلالة، والكلالة مصدر وقع موقع الحال تقديره : يورث متكلل النسب، وثانيها : أن يكون قوله :﴿يُورَثُ﴾ صفة لرجل، و﴿كَلَـالَةً﴾ خبر كان، والتقدير وإن كان رجل يورث منه كلالة، وثالثها : أن يكون مفعولا له، أي يورث لأجل كونه كلالة.
الاحتمال الثاني : في قوله :﴿يُورَثُ﴾ أن يكون ذلك مأخوذا من أورث يورث، وعلى هذا التقدير يكون الرجل هو الوارب، وانتصاب كلالة على هذا التقدير أيضا يكون على الوجوه المذكورة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
المسألة الخامسة : قرأ الحسن، وأبو رجاء العطاردي : يورث ويورث بالتخفيف والتشديد على الفاعل.
أما قوله تعالى :﴿وَلَه ا أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : ههنا سؤال : وهو أنه تعالى قال :﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَـالَةً أَوِ امْرَأَةٌ﴾ ثم قال :﴿وَلَه ا أَخٌ﴾ فكنى عن الرجل وما كنى عن المرأة فما السبب فيه ؟
والجواب قال الفراء : هذا جائز فانه إذا جاء حرفان في معنى واحد "بأو" جاز إسناد التفسير إلى أيهما أريد، ويجوز إسناده إليهما أيضا، تقول : من كان له أخ أو أخت فليصله، يذهب إلى الأخ، أو فليصلها يذهب إلى الأخت، وإن قلت فليصلهما جاز أيضا.
المسألة الثانية : أجمع المفسرون ههنا على أن المراد من الأخ والأخت : الأخ والأخت من الأم، وكان سعد بن أبي قاص يقرأ : وله أخ أو أخت من أم، وإنما حكموا بذلك لأنه تعالى قال/ في آخر السورة :﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَـالَةِ ﴾ (النساء : ١٧٦) فأثبت للأختين الثلثين، وللاخوة كل المال، وههنا أثبت للاخوة والأخوات الثلث، فوجب أن يكون المراد من الاخوة والأخوات ههنا غير الاخوة والأخوات في تلك الآية، فالمراد ههنا الاخوة والأخوات من الأم فقط، وهناك الاخوة والأخوات من الأب والأم، أو من الأب.
ثم قال تعالى :﴿مِنا بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ﴾ (النساء : ١١) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي جواز الوصية بكل المال وبأي بعض أريد، ومما يوافق هذه الآية من الأحاديث ما روى نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"ما حق امرىء مسلم له مال يوصى به ثم تمضي عليه ليلتان إلا ووصيته مكتوبة عنده" فهذا الحديث أيضا يدل على الاطلاق في الوصية كيف أريد، إلا أنا نقول : هذه العمومات مخصوصة من وجهين : الأول : في قدر الوصية، فانه لا يجوز الوصية بكل المال بدلالة القرآن والسنة، أما القرآن فالآيات الدالة على الميراث مجملا ومفصلا، أما المجمل فقوله تعالى :﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاقْرَبُونَ﴾ (النساء : ٧) ومعلوم أن الوصية بكل المال تقتضي نسخ هذا النص، وأما المفصل فهي آيات المواريث كقوله :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ﴾ (النساء : ١١) ويدل عليه أيضا قوله تعالى :﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَـافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ (النساء : ٩) وأما السنة فهي الحديث المشهور في هذا الباب، وهو قوله عليه الصلاة والسلام :"الثلث والثلث كثير إنك ان تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس".
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٦
واعلم أن هذا الحديث يدل على أحكام : أحدها : أن الوصية غير جائزة في أكثر من الثلث، وثانيها : أن الأولى النقصان عن الثلث لقوله :"والثلث كثير" وثالثها : أنه اذا ترك القليل من المال وورثته فقراء فالأفضل له أن لا يوصي بشيء لقوله عليه الصلاة والسلام :"ان تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" ورابعها : فيه دلالة على جواز الوصية بجميع المال اذا لم يكن له وارث لأن المنع منه لأجل الورثة، فعند عدمهم وجب الجواز.
الوجه الثاني : تخصيص عموم هذه الآية في الموصى له، وذلك لأنه لا يجوز الوصية لوارث، قال عليه الصلاة والسلام :"ألا لا وصية لوارث".


الصفحة التالية
Icon