وأعلم أن الشعائر جمع، والأكثرون على أنها جمع شعيرة. وقال ابن فارس : واحدها شعارة، والشعيرة فعيلة بمعنى مفعلة، والمشعرة المعلمة، والأشعار الأعلام، وكل شيء أشعر فقد أعلم، وكل شيء جعل علماً على شيء أن علم بعلامة جاز أن يسمى شعيرة، فالهدي الذي يهدى إلى مكة يسمى شعائر لأنهت معلمة بعلامات دالة على كونها هدايا. واختلف المفسرون في المراد بشعائر الله، وفيه قولان : الأول : قوله ﴿لا تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ أي لا تخلوا بشيء من شعائر الله وفرائضه التي حدها لعباده وأوجبها عليهم، وعلى هذا القول فشعائر الله عام في جميع تكاليفه غير مخصوص بشيء معين، ويقرب منه قول الحسن : شعائر الله دين الله. والثاني : أن المراد منه شيء خاص من التكاليف، وعلى هذا القول فذكروا وجوهاً : الأول : المراد لا تحلوا ما حرّم الله عليكم في حال إحرامكم من الصيد. والثاني : قال ابن عباس : إن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظمون المشاعر وينحرون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فأنزل الله تعالى :﴿لا تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ الثالث : قال الفراء : كانت عامة العرب لا يرون الصفا والمروة من شعائر الحج ولا يطوفون بهما، فأنزل الله تعالى : لا تستحلوا ترك شيء من مناسك الحج وائتوا بجميعها على سبيل الكمال والتما. الرابع : قال بعضهم : الشعائر هي الهدايا تطعن في أسنامها وتقلد ليعلم أنها هدى، وهو قول أبي عبيدة قال : ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَـاهَا لَكُم مِّن شَعَـا اـاِرِ اللَّهِ﴾ (الحج : ٣٦) وهذا عندي ضعيف لأنه تعالى ذكر شعائر الله ثم عطف عليها الهدى، والعطوف يجب أن يكون مغايراً للمعطوف عليه.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٧٩
ثم قال تعالى :﴿وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ أي لا تحلو الشهر الحرام بالقتال فيه.
وأعلم أن الشهر الحرام هو الشهر الذي كانت العرب تعظمه وتحرم القتال فيه، قال تعالى :﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَـابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ (التوبة : ٣٦) فقيل : هي ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب، فقوله ﴿وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ يجوز أن يكون إشارة إلى جميع هذه الأشهر كما يطلق اسم الواحد على الجنس، ويجوز أن يكون المراد هو رجب لأنه أكمل الأشهر الأربعة في هده الصفة.
ثم قال تعالى :﴿وَلا الْهَدْىَ﴾ قال الواحدي : الهدي ما أهدي إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة، واحدها هدية بتسكين الدال/ ويقال أيضاً هدية، وجمعها هدى. قال الشاعر :
حلفت برب مكة والمصلى
وأعناق الهدى مقلدات ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿هَدْيَا بَـالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ (المائدة : ٩٥) وقوله ﴿وَالْهَدْىَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّه ﴾ (الفتح : ٢٥).
ثم قال تعالى :﴿وَلا الْقَلَـا اـاِدَ﴾ والقلائد جمع قلادة وهي التي تشد على عنق العبير وغيره وهي مشهورة. وفي التفسير وجوه : الأول : المراد منه الهدى ذوات القلائد، وعطفت على الهدي مبالغة في التوصية بها لأنها أشرف الهدي كقوله ﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـالَ﴾ (البقرة : ٩٨) كأنه قيل : والقلائد منها خصوصاً الثاني : أنه نهى عن التعرض لقلائد الهدي مبالغة في النهي عن التعرض للهدي على معنى : ولا تحلوا قلائدها فضلاً عن أن تحلوها، كما قال ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ (النور : ٣١) فهنى عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواضعها. الثالث : قال بعضهم : كانت العرب في الجاهلية موظبين على المحاربة إلا في الأشهر الحرم، فمن وجد في غير هذه الأشهر الحرم أصيب منه، إلا أن يكون مشعراً بدنة أو بقرة من لحاء شجر الحرم، أو محرماً بعمرة إلى البيت، فحينئذٍ لا يتعرض له، فأمر الله المسلمين بتقرير هذا المعنى.
ثم قال :﴿وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا﴾ أي قوماً قاصدين المسجد الحرام، وقرأ عبد الله : ولا آمي البيت الحرام على الإضافة.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٧٩
ثم قال تعالى :﴿يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حميد بن قيس الأعرج ﴿تَبْتَغُونَ﴾ بالتاء على خطاب المؤمنين.
المسألة الثانية : في تفسير الفضل والرضوان وجهان : الأول : يبتغون فضلاً من ربهم بالتجارة المباحة لهم في جحهم، كقوله ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلا مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ (البقرة : ١٩٨) قالوا : نزلت في تجاراتهم أيام الموسم، والمعنى : لا تمنعوهم فإنما قصدوا البيت لإصلاح معاشهم ومعادهم، فابتغاء الفضل للدنيا، وابتغاء الرضوان للآخرة. قال أهل العلم : إن المشركين كانوا يقصدون بحجهم ابتغاء رضوان الله وإن كانوا لا ينالون ذلك، فلا يبعد أن يحصل لهم بسبب هذا القصد نوع من الحرمة.