والوجه الثاني : أن المراد بفضل الله الثواب، وبالرضون أن يرضى عنهم، وذلك لأن الكافر وإن كان لا ينال الفضل والرضوان لكنه يظن أنه بفعله طالب لهما، فيجوز أن يوصف بذلك بناءً على ظنه، قال تعالى :﴿وَانظُرْ إِلَى ا إِلَـاهِكَ﴾ (طه : ٩٧) وقال ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ (الدخان : ٤٩).
المسألة الثالثة : ا ختلف الناس فقال بعضهم : هذه الآية منسوخة، لأن قوله ﴿لا تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ يقتضي حرمة القتال في الشهر الحرام، وذلك منسوخ بقوله ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ (التوبة : ٥) قوله ﴿وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا﴾ يقتضي حرمة منع المشركين عن المسجد الحرام وذلك منسوخ بقوله ﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـاذَا ﴾ (البقرة : ٢٨) وهذا قول كثير من المفسرين كابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة. وقال الشعبي : لم ينسخ من سورة المائدة إلا هذه الآية. وقال قوم آخرون من المفسرين : هذه الآية غير منسوخة، وهؤلاء لهم طريقان : الأول : أن الله تعالى أمرن في هذه الآية أن لا نخيف من يقصد بيته من المسلمين، وحرم علينا أخذ الهدى من المهدين إذا كانوا مسلمين، والدليل عليه أول الآية وآخرها، أما أول الآية فهو قوله ﴿لا تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ وشعائر الله إنما تليق بنسك المسلمين وطاعاتهم لا بنسك الكفار/ وأما رخر ا ية فهو قوله ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ﴾ وهذا إنما يليق بالمسلم لا بالكافر. الثاني : قال أبو مسلم الأصفهاني : المراد بالآية الكفار الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم، فلما زال العهد بسورة براءة زال ذلك الحظر ولزم المراد بقوله تعالى :﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـاذَا ﴾.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٧٩
ثم قال تعالى :﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ وفي مسائل :
المسألة الأولى : قريء : وإذا أحللتم يقال حل المحرم وأحل، وقريء بكسر الفاء وقيل هو بدل من كسر الهمزة عند الابتداء.
المسألة الثانية : هذه الآية متعلقة بقوله ﴿غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ (المائدة : ١) يعني لما كان المانع من حل الاصطياد هو الإحرام، فإذا زال الاحرام وجب أن يزول المنع.
المسألة الثالثة : ظاهر الأمر وإن كان للوجوب إلا أنه لا يفيد ههنا إلا بالإباحة. وكذا في قوله ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَواةُ فَانتَشِرُوا فِى الارْضِ﴾ (الجمعة : ١٠) ونظيره قول القائل : لا تدخلن هذه الدار حتى تؤدي ثمنها، فإذا أديت فادخلها، أي فإذا أديت فقد أبيح لك دخولها، وحاصل الكلام أنا إنما عرفنا أن الأمر ههنا لم يفد الوجوب بدليل منفصل والله أعلم.
ثم قال تعالى :﴿وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْىَ وَلا الْقَلَـا اـاِدَ وَلا ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ا وَلا﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال القفال رحمه الله : هذا معطوف على قوله ﴿لا تُحِلُّوا شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ إلى قوله ﴿وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا﴾ يعني ولا تحملنكم عداوتكم لقوم من أجل أنهم صدوكم عن المسجد الحرام على أن تعتدوا فتمنعوهم عن المسجد الحرام، فإن الباطل لا يجوز أن يعتدى به. وليس للناس أن يعين بعضهم بعضاً على العدوان حتى إذا تعدى واحد منهم على الآخر تعدى ذلك الآخر عليه، لكن الواجب أن يعين بعضهم بعضاً على ما فيه البر والتقوى، فهذا هو المقصود في الآية.
المسألة الثانية : قال صاحب "الكشاف" ﴿جَرَمَ﴾ يجري مجرى كسب في تعديه تارة إلى مفعول واحد، وتارة إلى إثنين، تقول : جرم ذنباً نحو كسبه، وجرمته ذنباً نحو كسبته إياه، ويقال : أجرمته ذنباً على نقل المتعدي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين، كقولهم : أكسبته ذنباً، وعليه قراءة عبد الله ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ بضم الياء، وأول المفعولين على القراءتين ضمير المخاطبين. والثاني : أن تعتدوا، والمعنى لا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم الاعتداء ولا يحملنكم عليه.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٧٩
المسألة الثالثة : الشنآن البغض، يقال : شنأت الرجل أشنؤه شنأ ومشنأ.
ومشنأة وشنآنا بفتح الشين وكسرها، ويقال : رجل شنآن وامرأة شنآنة مصروفان، ويقال شنآن بغير صرف، وفعلان قد جاء وصفاً وقد جاء مصدراً.
المسألة الرابعة : قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وإسماعيل عن نافع بجزم النون الأولى، والباقون بالفتح. قالوا : والفتح أجود لكثرة نظائرها في المصادر كالضربان والسيلان والغليان والغشيان، وأما بالسكون فقد جاء في الأكثر وصفاً. قال الواحدي : ومما جاء مصدراً كقولهم : لويته حقه ليانا، وشنان في قول أبي عبيدة. وأنشد للأحوص.
وإن غاب فيه ذو الشنان وفندا