المسألة الأولى : السبع : اسم يقع على ما له ناب ويعدو على الإنسان والدواب ويفترسها، مثل الأسد وما دونه، ويجوز التخفيف في سبع فيقال : سبع وسبعة، وفي رواية عن أبي عمرون : السبع بسكون الباء، وقرأ ابن عباس : وأكيل السبع.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٨٣
المسألة الثانية : قال قتادة : كان أهل الجاهلية إذا جرح السبع شيئاً فقتله وأكل بعضه أكلوا ما بقي، فحرمه الله تعالى. وفي الآية محذوف تقديره : وما أكل منه السبع لأن ما أكله السبع فقد نفذ ولا حكم له، وإنما الحكم للباقي.
المسألة الثالثة : أصل الذكاء في اللغة إتمام الشيء، ومنه الذكاء في الفهم وهو تمامه، ومنه الذكاء في السن، وقيل : جري المذكيات غلاب، أي جري المسنات التي قد أسنت، وتأويل تمام السن النهاية في الشباب، فإذا نقص عن ذلك أو زاد فلا يقال له الذكاء في السن، ويقال ذكيت النار أي أتممت إشعالها.
إذا عرفت هذا الأصل فنقول : الاستثناء المذكور في قوله ﴿إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ فيه أقوال : الأول : أنه استثناء من جميع ما تقدم من قوله ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ إلى قوله ﴿وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ﴾ وهو قول عي وابن عباس والحسن وقتادة، فعلى هذا أنك إن أدركت ذكاته بأن وجدت له عيناً تطرف أو ذنباً يتحرك إو رجلاً تركض فاذبح فإنه حلال، فإنه لولا بقاء الحياة فيه لما حصلت هذه الأحوال، فلما وجدتها مع هذه الأحوال دل على أن الحياة بتمامها حاصلة فيه.
والقول الثاني : أن هذا الاستثناء مختص بقوله ﴿وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ﴾.
والقول الثالث : أنه استثناء منقطع كأنه قيل : لكن ما ذكيتم من غير هذا فهو حلال.
والقول الرابع : أنه استثناء من التحريم لا من المحرمات، يعني حرم عليكم ما مضى إلا ما ذكيتم فإنه لكم حلال. وعلى هذا التقدير يكون الاستثناء منقطعاً أيضاً. العاشر : من المحرمات المذكورة في هذه الآية قوله تعالى :﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : النصب يحتمل أن يكون جمعاً وأن يكون واحداً، فإن قلنا إنه جمع ففي واحده ثلاثة أوجه : الأول : أن واحده نصاب، فقولنا : نصاب ونصب كقولنا : حما وحمر. الثاني : أن واحده النصب، فقولنا نصب ونصب كقولنا : سقف وسقف ورهن ورهن، وهو قول ابن الأنباري. والثالث : أن واحدة النصبة. قال الليث : النصب جمع النصبة، وهي علامة تنصب لقوم، أما إن قلنا : أن النصب واحد فجمعه أنصاب، قفولنا : نصب وأنصاب كقولنا طنب وأطناب. قال الأزهري : وقد جعل الأعشى النصب واحداً فقال :
ولا النصب المنصوب لا تنسكنه
لعاقبة والله ربك فاعبدا المسألة الثانية : من الناس من قال : النصب هي الأوثان، وهذا بعيد لأن هذا معطوف على قوله ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه ﴾ وذلك هو الذبح على اسم الأثان، ومن حق المعطوف أن يكون مغايراً للمعطوف عليه. وقال ابن جريج : النصب ليس بأصنام فإن الأصنام أحجار مصورة منقوشة، وهذه النصب أحجار كانوا ينصبونها حول الكعبة، وكانوا يذبحون عندها للأصنام، وكانوا يلطخونها بتلك الدماء ويضعون اللحوم عليها، فقال المسلمون : يا رسول الله كان أهل الجاهلية يعظنون البيت بالدم، فنحن أحق أن نعظمه، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم لم ينكره، فأنزل الله تعالى :﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَآؤُهَا﴾ (الحج : ٣٧).
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٨٣
واعلم أن ﴿مَآ﴾ في قوله ﴿وَمَا ذُبِحَ﴾ في محل الرفع لأنه عطف على قوله ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ إلى قوله ﴿وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ﴾.
واعلم أن قوله ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ فيه وجهان، أحدهما : وما ذبح على اعتقاد تعظيم النصب، والثاني : وما ذبح للنصب، و(اللام) و(على) يتعاقبان، قال تعالى :﴿فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ (الواقعة : ٩١) أي فسلام عليك منهم، وقال ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ (الإسراء : ٧) أي فعليها.
النوع الحادي عشر : قوله تعالى :﴿وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالازْلاَمِ ﴾ قال القفال رحمه الله : ذكر هذا في جملة المطاعم لأنه مما أبدعه أهل الجاهلية وكان موافقاً لما كانوا فعلوه في المطاعم، وذلك أن الذبح على النصب إنما كان يقع عند البيت، وكذا الاستقسام بالأزلام كانوا يوقعونه عند البيت إذا كانوا هناك، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الآية قولان : الأول : كان أحدهم إذا أراد سفراً أو غزواً أو تجارة أو نكاحاً أو أمراً آخر من معاظم الأمور ضرب بالقداح، وكانوا قد كتبوا على بعضها : أمرني ربي، وعلى بعضها : نهاني ربي، وتركوا بعضها خالياً عن الكتابة، فإن خرج الأمر أقدم على الفعل، وإن خرج النهي أمسك، وإن خرج الغفل أعاد العمل مرة أخرى، فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة الخير والشر بواسطة ضرب القداح. الثاني : قال المؤرخ وكثير من أهل اللغة : الاستقسام هنا هو الميسر المنهى عنه، والأزلام قداح الميسر، والقول الأول اختيار الجمهور.