المسألة الرابعة : دلت الآية على أن الاصطياد بالجوارح إنما يحل إذا كانت الجوارح معلمة، لأنه تعالى قال :﴿وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّه ﴾ وقال صلى الله عليه وسلّم لعدي بن حاتم :"إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل"، قال الشافعي رحمه الله : والكلب لا يصير معلماً إلاّ عند أمور، وهي إذا أرسل استرسل، وإذا أخذ حبس ولا يأكل، وإذا دعاه أجابه، وإذا أراده لم يفر منه، فإذا فعل ذلك مرات فهو معلم، ولم يذكر رحمه الله فيه حداً معيناً/ بل قال : أنه متى غلب على الظن أنه تعلم حكم به قال لأن الاسم إذا لم يكن معلوماً من النص أو الاجماع وجب الرجوع فيه إلى العرف، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله في أظهر الروايات. وقال الحسن البصري رحمه الله : يصير معلماً بمرة واحدة، وعن أبي حنيفة رحمه الله في رواية أخرى أنه يصير معلماً بتكرير ذلك مرتين، وهو قول أحمد رحمه الله، وعن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله : أنه يصير معلماً بثلاث مرات.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٠
المسألة الخامسة : الكلاب والمكلب هو الذي يعلم الكلاب الصيد، فمكلب صاحب التكليب كمعلم صاحب التعليم، ومؤدب صاحب التأديب. قال صاحب "الكشاف" وقرىء مكلبين بالتخفيف، وأفعل وفعل يشتركان كثيراً.
المسألة السادسة : انتصاب مكلبين على الحال من ﴿عَلَّمْتُم﴾.
فإن قيل : ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم ؟
قلنا : فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريراً في علمه مدرباً فيه موصوفاً بالتكليب حال ثانية أو استئناف، والمقصود منه المبالغة في اشتراط التعليم.
ثم قال تعالى :﴿اللَّه فَكُلُوا مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : اعمل أنه إذا كان الكلب معلماً ثم صاد صيداً وجرحه وقتله وأدركه الصائد ميتاً فهو حلال، وجرح الجارحة الكذبح، وكذا الحكم في سائر الجوارح المعلمة. وكذا في السهم والرمح، أما إذا صاده الكلب فجثم عليه وقتله بالفم من غير جرح فقال بعضهم : لا يجوز أكله لأنه ميتة. وقال آخرون : يحل لدخوله تحت قوله ﴿فَكُلُوا مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ وهذا كله إذا لم يأكل، فإن أكل منه فقد اختلف فيه العلماء، فعند ابن عباس وطاوس والشعبي وعطاء والسدي أنه لا يحل، وهو أظهر أقوال الشافعي، قالوا : لأنه أمسك الصيد على نفسه، والآية دلت على أنه إنما يحل إذا أمسكه على صاحبه، ويدل عليه أيضاً ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لعدي ابن حاتم :"إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أدركته ولم يقتل فاذبح واذكر اسم الله عليه، وإن أدركته وقد قتل ولم يأكل فكل فقد أمسك عليك، وإن وجدته قد أكل فلا تطعم منه شيئاً فإنما أمسك على نفسه} وقال سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم : إنه يحل وإن أكل، وهو القول الثاني للشافعي رحمه الله. واختلفوا في البازي إذا أكل، فقال قائلون : إنه لا فرق بينه وبين الكلب، فإن أكل شيئاً من الصيد لم يؤكل ذلك الصيد وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال سعيد بن جبير وأبو حنيفة والمزني : يؤكل ما بقي من جوارح الطير ولا يؤكل ما بقي من الكلب، الفرق أنه يمكن أن يؤدب الكلب على الأكل بالضرب، ولا يمكن أن يؤدب البازي على الأكل.
المسألة الثانية : وقال سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم : إنه يحل وإن أكل، وهو القول الثاني للشافعي رحمه الله. واختلفوا في البازي إذا أكل، فقال قائلون : إنه لا فرق بينه وبين الكلب، فإن أكل شيئاً من الصيد لم يؤكل ذلك الصيد وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال سعيد بن جبير وأبو حنيفة والمزني : يؤكل ما بقي من جوارح الطير ولا يؤكل ما بقي من الكلب، الفرق أنه يمكن أن يؤدب الكلب على الأكل بالضرب، ولا يمكن أن يؤدب البازي على الأكل.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٠
المسألة الثانية :﴿مَنْ﴾ في قوله ﴿مِمَّآ أَمْسَكْنَ﴾ فيه وجهان : الأول : أنه صلة زائدة كقوله ﴿كُلُوا مِن ثَمَرِه إِذَآ أَثْمَرَ﴾ (الأنعام : ١٤١) والثاني : أنه للتبعيض، وعلى هذا التقدير ففيه وجهان : الأول : أن الصيد كله لا يؤكل فإن لحمه يؤكل، أما عظمه ودمه وريشه فلا يؤكل. الثاني : أن المعنى كلوا مما تبقى لكم الجوارح بعد أكلها منه/ فالآية دالة على أن الكلب إذا أكل من الصيد كانت البقية حلالاً، قالوا وإن أكله من الصيد لا يقدح في أنه أمسكه على صاحبه لأن صفة الإمساك هو أن يأخذ الصيد ولا يتركه حتى يذهب، وهذا المعنى حاصل سواء أكل منه أو لم يأكل منه.