المسألة السابعة : موالاة أفعال الوضوء ليست شرطاً لصحته في القول الجديد للشافعي رحمه الله، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال مالك رحمه الله : إنه شرط لنا أنه تعالى أوجب هذه الأعمال، ولا شك أن إيجابها قدر مشترك بين إيجابها على سبيل الموالاة وإيجابها على سبيل التراخي ثم إنه تعالى حكم في آخر هذه الآية بأن هذا القدر يفيد حصول الطهارة، وهو قوله ﴿وَلَـاكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ فثبت أن الوضوء بدون الموالاة يفيد حصول الطهارة، فوجب أن نقول بجواز الصلاة بها لقوله عليه الصلاة والسلام :"مفتاح الصلاة الطهارة".
المسألة الثامنة : قال أبو حنيفة رحمه الله : الخارج من غير السبيلين ينقض الوضوء، وقال الشافعي رحمه الله لا ينقض، احتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية فقال : ظاهرها يقتضي لإتيان بالوضوء لكل صلاة على ما بينا ذلك فيما تقدم، ترك العمل به عندما لم يخرج الخارج النجس من البدن فيبقى معمولاً به عند خروج الخارج النجس، والشافعي رحمه الله عول على ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم احتجم وصلّى ولم يزد على غسل أثر محاجمه.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٦
المسألة التاسعة : قال مالك رحمه الله : لا وضوء في الخارج من السبيلين إذا كان غير معتاد وسلم في دم الاستحاضة/ وقال ربيعة : لا وضوء أيضاً في دم الاستحضانة، لنا التمسك بعموم الآية.
المسألة العاشرة : قال أبو حنيفة رحمه الله : القهقهة في الصلاة المشتملة على الركوع والسجود تنقض الوضوء، وقال الباقون : لا تنقض، ولأبي حنيفة رحمه الله التمسك بعموم الآية على ما قررناه.
المسألة الحادية عشرة : قال الشافعي رحمه الله : لمس المرأة ينقض الوضوء، وقال أبو حنيفة رحمه الله لا ينقضه، للشافعي أن يتمسك بعموم الآية، وهذا العموم متأكد بظاهر قوله تعالى :﴿أَوْ لَـامَسْتُمُ النِّسَآءَ﴾ وحجة الخصم خبر واحد، أو قياس، فلا يصير معارضاً له.
المسألة الثانية عشرة : مس الفرج ينقض الوضوء عند الشافعي رحمه الله، وقال أبو حنيفة رحمه الله لا ينقضه، للشافعي رحمه الله أن يتمسك بعموم الآية، وهذا العموم متأكد بقوله عليه الصلاة والسلام :"من مسّ ذكره فليتوضأ" والخبر الذي يتمسك به الخصم على خلاف عموم الآية فكان الترجيح معنا.
المسألة الثالثة عشرة : لو كان على بدنه أو وجهه نجاسة فغسلها ونوى الطهارة عن الحدث بذلك الغسل هل يصح وضوؤه ؟
ما رأيت هذه المسألة موضوعة في كتب أصحابنا. والذي أقوله : إنه يكفي لأنه أمر بالغسل في قوله ﴿فاغْسِلُوا ﴾ وقد أتى به فيخرج عن العهدة لأنه عند احتياجه إلى التبرد والتنظف لو نوى فإنه يصح وضوؤه، كذا ههنا. وأيضاً قال عليه الصلاة والسلام :"لكل امريء ما نوى" وهذا الإنسان نوى فيجب أن يحصل له المنوي والله أعلم.
المسألة الرابعة عشر : لو وقف تحت ميزاب حتى سال عليه الماء ونوى رفع الحدث هل يصح وضوؤه أم لا ؟
يمكن أن يقال : لا يصح، لأنه أمر بالغسل، والغسل عمل وهو لم يأت بالعمل، ويمكن أن يقال : يصح لأن الغسل عبارة عن الفعل المفضي إلى الإنغسال، والوقوف تحت الميزاب يفضي إلى الإنغسال فكان ذلك الوقوف غسلاً.
المسألة الخامسة عشرة : إذا غسل هذه الأعضاء ثم بعد ذلك تقضرت الجلدة عنها فلا شك أن ما ظهر تحت الجلدة غير مغسول، إنما المغسول هو تلك الجلدة وقد تقلصت وسقطت.
المسألة السادسة عشرة : الغسل عبارة عن إمرار الماء على العضو، فلو رطب هذه الأعضاء، ولكن ما سال الماء عليها لم يكف، لأن الله تعالى أمر بإمرا الماء على العضو، وفي غسل الجنابة احتمال أن يكفي ذلك، والفرق أن المأمور به في الوضوء الغسل، وذلك لا يحصل إلا عند إمرار الماء، وفي الجناية المأمور به الطهر، وهو قوله ﴿وَلَـاكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ وذلك حاصل بمجرد الترطيب.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٦
المسألة السابعة عشرة : لو أخذ الثلج وأمره على وجهه، فإن كان الهواء حاراً يذيب الثلج ويسيل جاز، وإن كان بخلافه لم يجز خلافاً لمالك والأوزاعي. لنا أن قوله ﴿فاغْسِلُوا ﴾ يقتضي كونه مأموراً بالغسل، وهذا لا يسمى غسلاً، فوجب أن لا يجزىء.
المسألة الثامنة عشرة : التثليث في أعمال الوضوء سنة لا واجب، إنما الواجب هو المرة الواحدة، والدليل عليه أنه تعالى أمر بالغسل فقال ﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ﴾ وماهية الغسل تدخل في الوجود بالمرة الواحدة، ثم إنه تعالى رتب على هذا القدر حصول الطهارة فقال ﴿وَلَـاكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ فثبت أن المرة الواحدة كافية في صحة الوضوء ثم تأكد هذا بما روي أنه صلى الله عليه وسلّم توضأ مرة مرة ثم قال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به.


الصفحة التالية
Icon