المسألة التاسعة : قال مالك وداود : الماء المتسعمل في الوضوء يبقى طاهراً طهوراً، وهو قول قديم للشافعي رحمه الله، والقول الجديد للشافعي أنه لم يبق طهوراً ولكنه طاهر، وهو قول محمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة رحمه الله في أكثر الروايات أنه نجس. حجة مالك أن جواز التيمم معلق على عدم وجدان الماء. وهو قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ وواجد الماء المستعمل واجد للماء، فوجب أن لا يجوز التيمم، وإذا لم يجز التيمم جاز له التوضوء، لأنه لا قائل بالفرق. وأيضاً قال تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا﴾ (الفرقان : ٤٨) والطهور هو الذي يتكرر منه هذا الفعل كالضحوك والقتول والأكول والشروب، والتكرار إنما يحصل إذا كان المستعمل في الطهارة يجوز استعماله فيها مرة أخرى.
المسألة العاشرة : قال مالك : الماء إذا وقعت فيه نجاسة ولم يتغير الماء بتلك النجاسة بقي طاهراً طهوراً سواء كان قليلاً أو كثيراً، وهو قول أكثر الصحابة والتابعين. وقال الشافعي رحمه الله : إن كان أقل من القلتين ينجس. وقال أبو حنيفة : إن كان أقل من عشرة في عشرة ينجس. حجة مالك أن الله جعل في هذه الآية عدم الماء شرطاً لجواز لتيمم، وواجد هذا الماء الذي فيه النزاع واجد للماء، فوجب أن لا يجوز له التيمم. أقصى ما في الباب أن يقال : هذا المعنى موجود عند صيرورة الماء القليل متغيراً، إلا أنا نقول : العام حجة في غير محل التخصيص، وأيضاً قوله تعالى :﴿فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ أمر بمطلق الغسل، ترك العمل به في سائر المائعات وفي الماء القليل الذي تغير بالنجاسة، فيبقى حجة في الباقي. وقال مالك رحمه الله : ثم تأيد التمسك بهذه الآية بقوله عليه الصلاة والسلام :"خلق الماى طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه أو لونه" ولا يعارض هذا بقوله عليه الصلاة والسلام :"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً" لأن القرآن أولى من خبر الواحد، والمنطوق أولى من المفهوم.
المسألة الحادية عشرة : يجوز الوضوء بفضل ماء الجنب. وقال أحمد وإسحاق : لا يجوز بفضل ماء المرأة إذا خلت به، وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب. لنا قوله تعالى :﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ وواجد هذا الماء فلم يجز له التيمم، وإذا لم يجز له ذلك جاز له الوضوء لأنه لا قائل بالفرق.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٦
المسألة الثانية عشرة : أسار السباع طاهرة مطهرة، وكذا سؤر الحمار. وقال أبو حنيفة رحمه الله : نجسة. لنا أن واجد هذا السؤر واجد للماء فلم يجز له التيمم، ولأن قوله ﴿فاغْسِلُوا ﴾ يتناول جميع أنواع الماء على ما تقدم تقرير هذين الوجهين.
المسألة الثالثة عشرة : الماء إذا بلغ قلتين ووقعت فيه نجاسة مغيرة بقي طاهراف مطهورة عند الشافعي رحنه الله. وقال أبو حنيفة رحمه الله ينجس. لنا أنه واجد للماء فلم يجز له لتيمم، ولأنه أمر بالغسل وقد أتى به فخرج عن العهدة.
المسألة الرابعة عشرة : الماء الذي تفتتت الأوراق فيه، للناس فيه تفاصيل، لكن هذه الآية دالة على كونه طاهراً مطهراً ما لم يزل عنه اسم الماء المطلق، وبالجملة فهذه الآية دالة على أنه كلما بقي اسم الماىء المطلق كان طاهراف مطهوراً.
النوع الثاني : من المسائل المستخرجة من هذه الآية من مسائل التيمم.
المسألة الأولى : قال الشافعي وأبو حنيفة والأكثرون رحمهم الله : لا بدّ في التيمم من النية، وقال زفر رحمه الله لا يجب. لنا قوله تعالى :﴿فَتَيَمَّمُوا ﴾ والتيمم عبارة عن القصد، فدل على أنه لا بدّ من لنية.
المسألة الثانية : قال الشافعي وأبو حنيفة : يجب تيمم اليدين إلى المرفقين، وعن علي وابن عباس إلى الرسغين، وعن مالك إلى الكوعين، وعن الزهري إلى الآباط.
لنا : اليد اسم لهذا العضو إلى الإبط فقوله ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾ يقتضي المسح إلى الإبن، تركنا العمل بهذا النص في العضدين لأنا نعلم أن التيمم بدل عن الوضوء. ومبناه على التخفيف بدليل أن الواجب تطهير أعضاء أربعة في الوضوء، وفي التيمم الواجب تطهير عضوين وتأكد هذا المعنى بقوله تعالى في آية التيمم ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ فإذا كان العضدان غير معتبرين في الوضوء فبأن لا يكونا معتبرين في التيمم أولى، وإذا خرج العضدان عن ظاهر النص بهذا الدليل بقي اليدان إلى المرفقين فيه، فالحاصل أنه تعالى إنما ترك تقييد التيمم في اليدين بالمرفقين لأنه بدل عن الوضوء، فتقييده بهما في الوضوء يغني عن ذكر هذا التقييد في التيمم.
المسألة الثالثة : يجب استيعاب العضوين في التيمم. ونقل الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه إذا يمم الأكثر جاز.
لنا قوله :﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْه ﴾ والوجه واليد اسم لجملة هذين العضوين، وذلك لا يحصل إلا بالاستيعاب، ولقئل أن يقول : قد ذكرتم في قوله تعالى :﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ أن الباء تفيد التبغيض فكذا ههنا.