ثم حكى الله تعالى عن قابيل أنه قال لهابيل فقال هابيل ﴿قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ وفي الكلام حذف، والتقدير : كأن هابيل قال : لم تقتلني ؟
قال لأن قربانك صار مقبولاً، فقال هابيل : وما ذنبي ؟
إنما يتقبل الله من المتقين. وقيل : هذا من كلام الله تعالى لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلّم اعتراضاً بين القصة، كأنه تعالى بيّن لمحمد صلى الله عليه وسلّم أنه إنما لم يقبل قربانه لأنه لم يكن متقياً. ثم حكى تعالى عن الأخ المظلوم أنه قال :
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٣٦
٣٣٩
والسؤال الأول : وهو أنه لم لم يدفع القاتل عن نفسه مع أن الدفع عن النفس واجب ؟
وهب أنه ليس بواجب فلا أقل من أنه ليس بحرام، فلم قال ﴿إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَـالَمِينَ﴾.
والجواب من وجوه : الأول : يحتمل أن يقال : لاح للمقتول بأمرات تغلب على الظن أنه يريد قتلهد فذكر له هذا الكلام على سبيل الوعظ والنصيحة، يعني أنا لا أجوز من نفسي أن أبدأك بالقتل الظلم العدوان، وإنما لا أفعله خوفاً من الله تعالى، وإنما ذكر له هذا الكلام قبل إقدام القاتل على قتله وكان غرضه منه تقبيح القتل العمد في قلبه، ولهذا يروى أن قابيل صبر حتى نام هابيل فضرب رأسه بحجر كبير فقتله.
والوجه الثاني في الجواب : أن المذكور في الآية قوله ﴿مَآ أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاقْتُلَكَ ﴾ يعني لا أبسط يدي إليك لغرض قتلك، وإنما أبسط يدي إليك لغرض الدفع. وقال أهل العلم : الدافع عن نفسه يجب عليه أن يدفع بالأيسر فالأيسر، وليس له أن يقصد القتل بل يجل عليه أن يقصد الدفع، ثم إن لم يندفع إلا بالقتل جاز له ذلك.
الوجه الثالث : قال بعضهم : المقصود بالقتل إن أراد أن يستسلم جاز له ذلك، وهكذا فعل عثمان رضي الله تعالى عنه. وقال النبي عليه الصلاة والسلام لمحمد بن مسلمة :"ألق كمك على وجهك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل".
الوجه الرابع : وجوب الدفع عن النفس أمر يجوز أن يختلف باختلاف الشرائع. وقال مجاهد : ءن الدفع عن النفس ما كان مباحاً في ذلك الوقت.
السؤال الثاني : لم جاء الشرط بلفظ الفعل، والجزاء بلفظ اسم الفاعل، وهو قوله ﴿لَـاـاِنا بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا بِبَاسِطٍ﴾.
والجواب : ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع، ولذلك أكده بالباء المؤكد للنفي. ثم قال تعالى :
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٣٩
٣٤٠
وفيه سؤالان :
الأول : كيف يعقل أن يبوء القاتل بإثم المقتول مع أنه تعالى قال :﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾، (فاطر : ١٨).
والجواب من وجهين : الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود والحسن وقتادة رضي الله عنهم : معناه تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، وهذا بحذف المضاف، والثاني : قال الزجاج : معناه ترجع إلى الله، فلم قال :﴿إِنِّى أُرِيدُ أَن تَبُواأَ بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ﴾.
والجواب من وجوه : الأول : قد ذكرنا أن هذا الكلام إنما دار بينهما عندما غلب على ظن المقتول أنه يريد قتله، وكان ذلك قبل إقدام القاتل على إيقاع القتل به، وكأنه لما وعظه ونصحه قال له : وإن كنت لا تنزجر عن هذه الكبيرة بسبب هذه النصيحة فلا بدّ وأن تترصد قتلي في وقت أكون غافلاً عنك وعاجزاً عن دفعك، فحينئذٍ لا يمكنني أن أدفعك عن قتلي إلا إذا قتلتك ابتداءً بمجرد الظن والحسبان، وهذا مني كبيرة ومعصية، وإذا دار الأمر بين أن يكون فاعل هذه المعصية أنا وبين أن يكون أنت، فأنا أحب أن تحصل هذه الكبيرة لك لا لي، ومن المعلوم أن إرادة صدور الذنب من الغير في هذه الحالة وعلى هذا الشرط لا يكون حراماً، بل هو عين الطاعة ومحض الاخلاص.
والوجه الثاني في الجواب : أن المراد : إني أريد أن تبوء بعقوبة قتلي، ولا شك أنه يجوز للمظلوم أن يريد من الله عقاب ظالمه، والثالث : روي أن الظالم إذا لم يجد يوم القيامة ما يرضي خصمه أخذ من سيئات المظلوم وحمل على الظالم، فعلى هذا يجوز أن يقال : إني أريد أن تبوأ بإثمي في أنه يحمل عليك يوم القيامة إذا لم تجد ما يرضيني، وبإثمك في قتلك إياي، وهذا يصلح جواباً عن السؤال الأول والله أعلم، ثم قال تعالى :
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٤٠
٣٤٠