وأما الوجه الثاني : وهو قولهم : الآية التي بعد هذه الآية دالة على إمامة علي فوجب أن تكون هذه الآية نازلة في علي، فجوابنا : أنا لا نسلم دلالة الآية التي بعد هذه الآية على إمامة على وسنذكر الكلام فيه إن شاء الله تعالى، فهذا ما في هذا الموضع من البحث والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه ﴾ فتحقيق الكلام في المحبة ذكرناه في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّه ﴾ (البقرة : ١٦٥) فلا فائدة في الإعادة. وفيه دقيقة وهي أنه تعالى قدم محبته لهم على محبتهم له، وهذا حق لأنه لولا أن الله أحبهم وإلا لما وفقهم حتى صاروا محبين له.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٧٧
ثم قال تعالى :﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ وهو كقوله ﴿أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾ (الفتح : ٢٩) قال صاحب "الكشاف" أذلة جمع ذليل، وأما ذلول فجمعه ذلل، وليس المراد بكونهم أذلة هو أنهم مهانون، بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب، فإن من كان ذليلاً عند إنسان فإنه ألبتة لا يظهر شيئاً من التكبر والترفع، بل لا يظهر إلا الرفق واللين فكذا ههنا، فقوله ﴿أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ أي يظهرون الغلطة والترفع على الكافرين. وقيل : يعازونهم أي يغالبونهم من قولهم : عزه يعزه إذا غلبه، كأنهم مشدون عليهم بالقهر والغلبة.
فإن قيل : هلا قيل : أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين.
قلنا : فيه وجهان : أحدهما : أن يضمن الذل معنى الرحمة والشفقة، كأنه قيل : راحمين عليهم مشفقين عليهم على وجه التذلل والتواضع، والثاني : أنه تعالى ذكر كلمة ﴿عَلَى ﴾ حتى يدل على علو منصبهم وفضلهم وشرفهم، فيفيد أن كونهم أذلة ليس لأجل كونهم ذليلين في أنفسهم، بل ذاك التذلل إنما كان لأجل أنهم أرادوا أن يضموا إلى علو منصبهم فضيلة التواضع. وقرىء (أذلة وأعزة) بالنصب على الحال.
ثم قال تعالى :﴿يُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي لنصرة دين الله ﴿وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لا ـاِمٍ ﴾ وفيه وجهان : الأول : أن تكون هذه الواو للحال، فإن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم، فبيّن الله تعالى في هذه الآية أن من كان قوياً في الدين فإنه لا يخاف في نصرة دين الله بيده ولسانه لومة لائم. الثاني : أن تكون هذه الواو للعطف، والمعنى أن من شأنهم أن يجاهدوا في سبيل الله لا لغرض آخر، ومن شأنهم أنهم صلاب في نصرة الدين لا يبالون بلومة اللائمين، واللومة المرة الواحدة من اللوم، والتنكير فيها وفي اللائم مبالغة، كأنه قيل : لا يخافون قط من لوم أحد من اللائمين.
ثم قال تعالى :﴿ذَالِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ﴾ فقوله ﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ما تقدم ذكره من وصف القوم بالمبة والذلة والعة والمجاهدة وانتفاء خوف اللومة الواحدة، فبيّن تعالى أن كل ذلك بفضله إحسانه، وذلك صريح في أن طاعات العباد مخلوقة لله تعالى، والمعتزلة يحملون اللفظ على فعل الالطاف، وهو بعيد لأن فعل الألطاف عام في حق الكل، فلا بدّ في التخصيص من فائدة زائدة.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٧٧
ثم قال تعالى :﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فالواسع إشارة إلى كمال القدرة، والعليم إشارة إلى كمال العلم، ولما أخبر الله تعالى أنه سيجيء بأقوام هذا شأنهم وصفتهم أكد ذلك بأنه كامل القدرة فلا يعجز عن هذا الموعود، كامل العلم فيمتنع دخول الخلف في أخباره ومواعيده.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٧٧
٣٨٢
وجه النظم أنه تعالى لما نهى في الآيات المتقدمة عن موالاة الكفار أمر في هذه الآية بموالاة من يجب موالاته وقال :﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُه وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ أي المؤمنون الموصوفون بالصفات المذكورة، وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon