أما الوجه الذي عولوا عليه وهو أن الولاية المذكورة في الآية غير عامة، والولاية بمعنى النصرة عامة، فجوابه من وجهين :
الأول : لا نسلم أن الولاية المذكورة في الآية غير عامة، ولا نسلم أن كلمة ﴿إِنَّمَا﴾ للحصر، والدليل عليه قوله ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَـاهُ مِنَ السَّمَآءِ﴾ (يونس : ٢٤) ولا شك أن الحياة الدنيا لها أمثال أخرى سوى هذا المثل، وقال ﴿إِنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾ (محمد : ٣٦) ولا شك أن اللعب واللهو قد يحصل في غيرها. الثاني : لا نسلم أن الولاية بمعنى النصرة عامة في كل المؤمنين، وبيانه أنه تعالى قسم المؤمنين قسمين : أحدهما : الذين جعلهم مولياً عليهم وهم المخاطبون بقوله ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ﴾ والثاني : الأولياء، وهم المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، فإذا فسرنا الولاية ههنا بمعنى النصرة كان المعنى أنه تعالى جعل أحد القسمين أنصاراً للقسم الثاني. ونصرة القسم الثاني غير حاصلة لجميع المؤمنين، ولو كان كذلك لزم في القسم الذي هم المنصورون أن يكونوا ناصرين لأنفسهم، وذلك محال، فثبت أن نصرة أحد قسمي الأمة غير ثابتة لكل الأمة، بل مخصوصة بالقسم الثاني من الأمة، فلم يلزم من كون الولاية المذكورة في هذه الآية خاصة أن لا تكون بمعنى النصرة، وهذا جواب حسن دقيق لا بدّ من التأمل فيه.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٨٢
وأما استدلالهم بأن الآية نزلت في حق علي فهو ممنوع، فقد بينا أن أكثر المفسرين زعموا أنه في حق الأمة، والمراد أن الله تعالى أمر المسلم أن لا يتخذ الحبيب والناصر إلا من المسلمين، ومنهم من يقول : إنها نزلت في حق أبي بكر.
وأما استدلالهم بأن الآية مختصة بمن أدى الزكاة في الركوع، وذلك هو علي بن أبي طالب فنقول : هذا أيضاً ضعيف من وجوه : الأول : أن الزكاة اسم للواجب لا للمندوب بدليل قوله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا﴾ (البقرة : ٤٣) فلو أنه أدى الزكاة الواجبة في حال كونه في الركوع لكان قد أخر أداء الزكاة الواجب عن أول أوقات الوجوب، وذلك عند أكثر العلماء معصية، وأنه لا يجوز إسناده إلى علي عليه السلام، وحمل الزكاة على الصدقة النافلة خلاف الأصل لما بينا أن قوله ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا﴾ ظاهرة يدل على أن كل ما كان زكاة فهو واجب. الثاني : هو أن اللائق بعلي عليه السلام أن يكون مستغرق القلب بذكر الله حال ما يكون في الصلاة، والظاهر أن من كان كذلك فإنه لا يتفرغ لاستماع كلام الغير ولفهمه، ولهذا قال تعالى :﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (آل عمران : ١٩١) ومن كان قبله مستغرقاً في الفكر كيف يتفرغ لاستماع كلام الغير. الثالث : أن دفع الخاتم في الصلاة للفقير ولم يكن له مال تجب الزكاة فيه، ولذلك فإنهم يقولون : إنه لما أعطى ثلاثة أقراص نزل فيه سورة ﴿هَلْ أَتَى ﴾ (الإنسان : ١) وذلك لا يمكن إلا إذا كان فقيراً، فأما من كان له مال تجب فيه الزكاة يمتنع أن يستحق المدح العظيم المذكور في تلك السورة على إعطاء ثلاثة أقراص، وإذا لم يكن له مال تجب فيه الزكاة امتنع حمل قوله ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَواةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ عليه.
الوجه الخامس : هب أن المراد بهذه الآية هو علي بن أبي طالب لكنه لم يتم الاستدلال بالآية إلا إذا تم أن المراد بالولي هو المتصرف لا الناصر والمحب، وقد سبق الكلام فيه.
المسألة الثالثة : أعلم أن الذين يقولون : المراد من قوله ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَواةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ هو أنهم يؤتون الزكاة حال كونهم راكعين احتجوا بالآية على أن العمل القليل لا يقطع الصلاة، فإنه دفع الزكاة إلى السائل وهو في الصلاة، ولا شك أنه نوى إيتاء الزكاة وهو في الصلاة، فدل ذلك على أن هذه الأعمال لا تقطع الصلاة، وبقي في الآية سؤالان.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٨٢
السؤال الأول : المذكور في الآية هو الله تعالى ورسوله والمؤمنون، فلم لم يقل : إنما أولياؤكم ؟
والجواب : أصل الكلام إنما وليكم الله، فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة، ثم نظم في سلك إثباتها له إثباتها لرسول الله والمؤمنين على سبيل التبع، ولو قيل : إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا لم يكن في الكلام أصل وتبع، وفي قراءة عبد الله : إنما مولاكم الله.
السؤال الثاني :﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ﴾ ما محله ؟
الجواب : الرفع على البدل من ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أو يقال : هم الذين يقيمون، أو النصب على المدح، والغرض من ذكره تمييز المؤمن المخلص عمن يدعي الإيمان ويكون منافقاً، لأن ذلك الإخلاص إنما يعرف بكونه مواظباً على الصلاة في حال الركوع، أي في حال الخضوع والخشوع والإخبات لله تعالى.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٨٢
٣٨٧
فيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon