المسألة الرابعة : اعلم أنه تعالى ذكر من صفاتهم أنواعاً : أولها : أنه تعالى لعنهم، وثانيها : أنه غضب عليهم، وثالثها : أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. قال أهل التفسير : عنى بالقردة أصحاب السبت، وبالخنازير كفار مائدة عيسى. وروي أيضاً أن المسخين كانا في أصحاب السبت لأن شبانهم مسخوا قردة، ومشايخهم مسخوا خنازير.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٩٠
المسألة الخامسة : ذكر صاحب "الكشاف" في قوله ﴿وَعَبَدَ الطَّـاغُوتَ ﴾ أنواعاً من القرآات : أحدها : قرأ أُبي : وعبدوا الطاغوت، وثانيها : قرأ ابن مسعود : ومن عبدوا، وثالثها : وعابد الطاغوت عطفاً على القردة، ورابعها : وعابدي، وخامسها : وعباد، وسادسها : وعبد، وسابعها : وعبد، بوزن حطم، وثامنها : وعبيد، وتاسعها : وعبد بضمتين جميع عبيد، وعاشرها : وعبدة بوزن كفرة، والحادي عشر : وعبد، وأصله عبدة، فحذفت التاء للإضافة، أو خهو كخدم في جمع خادم، والثاني عشر : عبد، والثالث عشر : عباد، والرابع عشر : وأعبد، والخامس عشر : وعبد الطاغوت على البناء للمفعول، وحذف الراجع، بمعنى وعبد الطاغوت فيهم أو بينهم، والسادس عشر : وعبد الطاغوت، بمعنى صار الطاغوت معبوداً من دون الله تعالى، كقولك : أمر إذا صار أميراً، والسابع عشر : قرأ حمزة : عبد الطاغزت بفتح العين وضم الباء ونصب الدال وجر الطاغوت، وعابوا هذه القراءة على حمزة ولحنوه ونسبوه إلى ما لا يجوز ذكره، وقال قوم : إنها ليست بلحن ولا خطأ، وذكروا فيها وجوهاً : الأول : أن العبد هو العبد إلا أنهم ضموا الباء للمبالغة، كقولهم : رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة، فتأويل عبد الطاغوت أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان، وهذا أحسن الوجوه. الثاني : أن العبد، والعبد لغتان كقوللهم : سبع وسبع. والثالث : أن العبد جمعه عباد، والعباد جمعه عبد/ كثمار وثمر. ثم استثلقوا ضمتين متواليتين فأبدلت الأولى بالفتحة. الرابع : يحتمل أنه أراد أعبد الطاغوت، فيكون مثل فلس وأفلس، ثم حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى العين. الخامس : يحتمل أنه أراد : وعبدة الطاغوت كما قريء، ثم حذف الهاء وضم الباء لئلا يشتبه بالفعل.
المسألة السادسة : قوله ﴿وَعَبَدَ الطَّـاغُوتَ ﴾ قال الفرّاء : تأويله وجعلل منهم القردة ومن عبد الطاغوت، فعلى هذا : الموصول محذوف.
المسألة السابعة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفر بقضاء الله. قالوا : لأن تقدير الآية وجعل الله منهم من عبد الطاغوت، وإنما يعقل معنى هذا الجعل إذا كان هو الذي جعل فيهم تلك العبادة، إذ لو كان جعل تلك العبادة منهم لكان الله تعالى ما جعلهم عبدة الطاغوت، بل كانوا هم الذين جعلوا أنفسهم كذلك، وذلك على خلاف الآية. قالت المعتزلة : معناه أنه تعالى حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله ﴿وَجَعَلُوا الملائكة الَّذِينَ هُمْ عِبَـادُ الرَّحْمَـن ِ إِنَـاثًا ﴾ (الزخرف : ١٩) والكلام فيه قد تقدم مراراً.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٩٠
المسألة الثامنة : قيل : الطاغوت العجل، وقيل : الطاغوت الأحبار، وكل من أطاع أحداً في معصية الله فقد عبده.
ثم قال تعالى :﴿ أولئك شَرٌّ مَّكَانًا﴾ أي أولئك الملعونون الممسوخون شر مكاناً من المؤمنين، وفي لفظ المكان وجهان : الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأن مكانهم سقر، ولا مكان أشد شراً منه. والثاني : أنه أضعف الشر في اللفظ إلى المكان وهو في الحقيقة لأهله، وهو من باب الكناية كقولهم : فلان طويل النجاد كثير الرماد، ويرجع حاصله إلى الإشارة إلى الشيء بذكر لوازمه وتوابعه.
ثم قال :﴿وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ﴾ أي عن قصد السبيل والدين الحق. قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية عبر المسلمون أهل الكتاب وقالوا : يا إخوان القردة والخنازير، فافتضحوا ونكسوا رؤوسهم.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٩٠
٣٩١
فيه مسائل :
المسألة الأولى : قالوا : نزلت هذه الآية في ناس من اليهود كانوا يدخلون على الرسول عليه الصلاة والسلام ويظهرون له الإيمان نفاقاً، فأخبره الله عزّ وجلّ بشأنهم وأنهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا لم يتعلق بقلبهم شيء من دلائلك وتقريراتك ونصائحك وتذكيراتك.
المسألة الثانية : الباء في قوله ﴿وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِه ﴾ يفيد بقاء الكفر معهم حالتي الدخول والخروج من غير نقصان ولا تغيير فيه البتة، كما تقول : دخل زيد بثوبه وخرج به، أي بقي ثوبه حال الخروج كما كان حال الدخول.


الصفحة التالية
Icon