والجواب : إن اخترنا تفسير اليد بالقدرة كان الجواب عن الاشكال المذكور أن القوم جعلوا قولهم ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ كناية عن البخل، فأجيبوا على وفق كلامهم، فقيل ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ أي ليس الأمر على ما وصفتموه به من البخل، بل هو جواد على سبيل الكمال. فإن من أعطى بيده أعطى على أكمل الوجوه، وأما إن اخترنا تفسير اليد بالنعمة كان الجواب عن الاشكال المذكور من وجهين : الأول : أنه نسبة بحسب الجنس، ثم يدخل تحت كل واحد من الجنسين أنواع لا نهاية لها، فقيل : نعمتاه نعمة الدين ونعمة الدينا، أو نعمة الظاهر ونعمة الباطن، أو نعمة النفع ونعمة الدفع، أو نعمة الشدة ونعمة الرخاء. الثاني : أن المراد بالنسبة المبالغة في وصف النعمة، ألا ترى أن قولهم (لبيك) معناه إقامة على طاعتك بعد إقامة، وكذلك (سعديك) معناه مساعدة بعد مساعدة، وليس المراد منه طاعتين ولا مساعدتين. فكذلك الآية : المعنى فيها أن النعمة متظاهرة متتابعة ليست كما ادعى من أنها مقبوضة ممتنعة.
ثم قال تعالى :﴿يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ ﴾ أي يرزق ويخلق كيف يشاء، إن شاء قتر، وإن شاء وسع. وقال ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِه لَبَغَوْا فِى الارْضِ وَلَـاكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ ﴾ (الشورى : ٢٧) وقال ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقَدِرُ ﴾ (الرعد : ٢٦) وقال}قل الّلهم مالك الملك} إلى قوله قل الّلهم مالك الملك} إلى قوله إلى قوله ﴿وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُا بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ (آل عمران : ٢٦).
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٩٣
واعلم أن هذه الآية رد على المعتزلة، وذلك لأنهم قالوا : يجب على الله تعالى إعطاء الثواب للمطيع، ويجب عليه أن لا يعاقبه، ويجب عليه أن لا يدخل العاصي الجنة، ويجب عليه عند بعضهم أن يعاقبه، فهذا المنع والحجر والقيد يجري مجرى الغل، فهم في الحقيقة قائلون بأن يد الله مغلولة وأما أهل السنة فهم القائلون بأن الملك ملكه، وليس لأحد عليه استحقاق، ولا لأحد عليه اعتراض كما قال ﴿قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْـاًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّه وَمَن فِى الارْضِ جَمِيعًا ﴾ (المائدة : ١٧) فقوله سبحانه :}بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} لا يستقيم إلا على المذهب والمقالة، والحمد لله على الدين القويم والصراط المستقيم.
ثم قال تعالى : بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} لا يستقيم إلا على المذهب والمقالة، والحمد لله على الدين القويم والصراط المستقيم.
ثم قال تعالى : لا يستقيم إلا على المذهب والمقالة، والحمد لله على الدين القويم والصراط المستقيم.
ثم قال تعالى :﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَـانًا وَكُفْرًا ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : المراد بالكثير علماء اليهود، يعني ازدادوا عند نزول ما أنزل إليك من ربك من القرآن والحجج شدة في الكفر وغلواً في الانكار، كما يقال : ما زادتك موعظتي إلا شراً. وقيل : إقامتهم على الكفر زيادة منهم في الكفر.
المسألة الثانية : قال أصحابنا : دلّت الآية على أنه تعالى لا يراعي مصالح الدين والدنيا لأنه تعالى لما علم أنهم يزدادون عند إنزال تلك الآيات كفراً وضلالاً، فلو كانت أفعاله معللة برعاية المصالح للعباد لامتنع عليه إنزال تلك الآيات، فلما أنزلها علمنا أنه تعالى لا يراعي مصالح العباد، ونظيره قوله ﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ (التوبة : ١٢٥).
فإن قالوا : علم الله تعالى من حالهم أنهم سواء أنزلها أو لم ينزلها فإنهم يأتون بتلك الزيادة من الكفر، فلهذا حسن منه تعالى إنزالها.
قلنا : فعلى هذا التقدير لم يكن ذلك الازدياد لأجل إنزال تلك الآيات، وهذا يقتضي أن تكون إضافة ازدياد اكفر إلى إنزال تلك الآيات باطلاً، وذلك تكذيب لنص القرآن.
ثم قال تعالى :﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ ﴾.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٩٣
واعلم أن اتصال هذه الآية بما قبلها هو أنه تعالى بيّن أنهم إنما ينكرون نبوته بعد ظهور الدلائل على صحتها لأجل الحسد ولأجل حب الجاه والتبع والمال والسيادة.


الصفحة التالية
Icon