وقال أبو حنيفة : يجب التتابع.
حجة الشافعي : أنه تعالى أوجب صيام ثلاثة أيام، والآتي بصوم ثلاثة أيام على التفرق آت بصوم ثلاثة أيام، فوجب أن يخرج عن العهدة.
حجة أبي حنيفة رحمه الله، ما روي في قراءة أُبي بن كعب وابن مسعود : فصوم ثلاثة أيام متتابعات، وقراءتهما لا تختلف عن روايتهما.
والجواب أن القراءة الشاذة مردودة لأنها لو كانت قرآناً لنقلت نقلاً متواتراً، إذ لو جوزنا في القرآن أن لا ينقل على التواتر لزم طعن الروافض والملاحدة في القرآن وذلك باطل، فعلمنا أن القراءة الشاذة مردودة، فلا تصلح لأن تكون حجة. وأيضاً نقل في قراءة أُبي بن كعب أنه قرأ (فعدة من أيام أُخر متتابعات) مع أن التتابع هناك ما كان شرطاً، وأجابوا عنه بأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أن رجلاً قال له علي أيام من رمضان أفأقضيها متفرقات ؟
فقال عليه الصلاة والسلام :"أرأيت لو كان عليك دين فقضيت الدرهم فالدرهم أما كان يجزيك قال بلى، قال فالله أحق أن يعفو وأن يصفح".
قلنا : فهذا الحديث وإن وقع جواباً عن هذا السؤال في صوم رمضان إلا أن لفظه عام، وتعليله عام في جميع الصيامات، وقد ثبت في الأصول أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكان ذلك من أقوى الدلائل على جواز التفريق ههنا أيضاً.
المسألة الثالثة : من صام ستة أيام عن يمينين أجزأه سواء عين إحدى الثلاثتين لإحدى اليمينين أو لا والدليل عليه أنه تعالى أوجب صيام ثلاثة أيام عليه، وقد أتى بها، فوجب أن يخرج عن العهدة.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤١٨
ثم قال تعالى :﴿ذَالِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَـانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ قوله ﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ما تقدم ذكره من الطعام والكسوة وتحرير الرقبة، أي ذلك المذكور كفارة أيمانكم إذا حلفتم وخنثتم لأن الكفارة لا تجب بمجرد الحلف، إلا أنه حذف ذكر الحنث لكونه معلوماً، كما قال :﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ (البقرة : ١٨٤) أي فأفطر.
احتج الشافعي بهذه الآية على أن التكفير قبل الحنث جائز فقال : الآية دلّت على أن كل واحد من الأشياء الثلاثة كفارة لليمين عند وجود الحلف، فإذا أداها بعد الحلف قبل الحنث فقد أدى الكفارة عن ذلك اليمين، وإذا كان كذلك وجب أن يخرج عن العهدة. قال : وقوله ﴿إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ فيه دقيقة وهي التنبيه على أن تقديم الكفارة قبل اليمين لا يجوز، وأما بعد اليمين وقبل الحنث فإنه يجوز.
ثم قال تعالى :﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَـانَكُمْ ﴾ وفيه وجهان : الأول : المراد منه قللوا الأيمان ولا تكثروا منها قال كثير :
قليل الألا يا حافظ ليمينه
وإن سبقت منه الألية برت
فدل قوله (وإن سبقت منه الألية) على أن قوله (حافظ ليمينه) وصف منه له بأنه لا يحلف. الثاني : واحفظوا أيمانكم إذا حلفتم عن الحنث لئلا تحتاجوا إلى التفكير، واللفظ محتمل للوجهين، إلا أن على هذا التقدير يكون مخصوصاً بقوله عليه السلام :"من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه".
ثم قال : تعالى :﴿كَذَالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَـاتِه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ والمعنى ظاهر، والكلام في لفظ لعلّ تقدم مراراً.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤١٨
٤٢٣
اعلم أن هذا هو النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذا الموضع، ووجه اتصاله بما قبله أنه تعالى قال فيما تقدم ﴿لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَـاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ إلى قوله ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَـالا طَيِّبًا ﴾ (المائدة : ٨٧، ٨٨) ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر لا جرم أنه تعالى بيّن أنهما غير داخلين في المحللات، بل في المحرمات.
واعلم أنا قد ذكرنا في سورة البقرة معنى الخمر والميسر وذكرنا معنى الأنصاب والأزلام في أول هذه السورة عند قوله}وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام} (المائدة : ٣) فمن أراد الاستقصاء فعليه بهذه المواضع.
وفي اشتقاق لفظ الخمر وجهان : الأول : سميت الخمر خمراً لأنها خامرت العقل، أي خالطته فسترته، والثاني : قال ابن الأعرابي : تركت فاختمرت، أي تغير ريحها، والميسر هو قمارهم في الجزور، والأنصاب هي آلهتهم التي نصبوها يعبدونها، والأزلام سهام مكتوب عليها خير وشر.
واعلم أنه تعالى وصف هذه الأقسام الأربعة بوصفين : الأول : قوله وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام} (المائدة : ٣) فمن أراد الاستقصاء فعليه بهذه المواضع.
وفي اشتقاق لفظ الخمر وجهان : الأول : سميت الخمر خمراً لأنها خامرت العقل، أي خالطته فسترته، والثاني : قال ابن الأعرابي : تركت فاختمرت، أي تغير ريحها، والميسر هو قمارهم في الجزور، والأنصاب هي آلهتهم التي نصبوها يعبدونها، والأزلام سهام مكتوب عليها خير وشر.
واعلم أنه تعالى وصف هذه الأقسام الأربعة بوصفين : الأول : قوله (المائدة : ٣) فمن أراد الاستقصاء فعليه بهذه المواضع.


الصفحة التالية
Icon