المسألة الرابعة : جماعة محرمون قتلوا صيداً. قال الشافعي رحمه الله : لا يجب عليهم إلا جزاء وحداً، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك والثوري رحمهم الله : يجب على كل واحد منهم جزاء واحد. حجة الشافعي رحمه الله : أن الآية دلت على وجوب المثل، ومثل الواحد واحد وأكد هذا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال بمثل قولنا : حجة أبي حنيفة رحمه الله أن كل واحد منهم قاتل فوجب أن يجب على كل وحد منهم جزاء كامل، بيان الأول أن جماعة لو حلف كل واحد منهم أن لا يقتل صيداً فقتلوا صيداً واحداً لزم كل واحد منهم كفارة، وكذلك القصاص المتعلق بالقتل يجب على جماعة يقتلون واحداً، وإذا ثبت أن كل واحد منهم قاتل وجب أن يجب على كل واحد منهم جزاء كامل لقوله تعالى :﴿وَمَن قَتَلَه مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ فقوله ﴿وَمَن قَتَلَه مِنكُم مُّتَعَمِّدًا﴾ صيغة عموم فيتناول كل القاتلين. أجاب الشافعي رحمه الله : بأن القتل شيء واحد فيمتنع حصوله بتمامه بأكثر من قاعل واحد فإذا اجتمعوا حصل بمجموع أفعالهم قتل واحد وإذا كان كذلك امتنع كون كل واحد منهم قاتلاً في الحقيقة وإذا ثبت أن كل واحد منهم ليس بقاتل لم يدخل تحت هذه لآية وأما قتل الجماعة بالواحد فذاك ثبت على سبيل التعبد وكذ القول في إيجاب الكفارات المتعددة.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٢٩
المسألة الخامسة : قال الشافعي رحمه الله : المحرم إذا دل غيره على صيد، فقتله المدلول عليه لم يضمن الدال الجزاء، وقال أبو حنيفة رحمه الله : يضمن حجة الشفعي أو وجوب الجزاء معلق بالقتل في هذه الآية والدلالة ليست بقتل فوجب أن لا يجب الضمان ولأنه بدل المتلف فلا يجب بالدالة ككفارة القتل والدية، وكالدلالة على مال المسلم. حجة أبي حنيفة رحمه الله أنه سئل عمر عن هذه المسألة فشاور عبد الرحمن بن عوف فأجمعا على أن عليه الجزاء وعن ابن عباس أنه أوجب الجزاء على الدال، أجاب الشافعي رحمه الله : بأن نص القرآن خير من أثر بعض الصحابة.
المسألة السادسة : قال الشافعي رحمه الله : إن جرح ظبياً فنقص من قيمته العشر فعليه عشر قيمة الشاة، وقال داود لا يضمن ألبتة سوى القتل، وقال المزني عليه شاة. حجة داود أن الآية دالة على أن شرط وجوب الجزاء هو القتل، فإذا لم يوجد القتل : وجب أن لا يجب الجزاء ألبتة، وجوابه أن المعلق على القتل، وجوب مثل المقتول، وعندنا أن هذا لا يجب عند عدم القتل فسقط قوله.
المسألة السابعة : إذا رمى من الحل والصيد في الحل، فمر في السهم طائفة من الحرم، قال الشافعي رحمه الله : يحرم وعليه والجزاء، وقال أبو حنيفة : لا يحرم. حجة الشافعي : أن سبب الذبح مركب من أجزاء، بعضها مباح وبعضها محرم، وهو المرور في الحرم، وما اجتمع الحرام والحلال إلا وغلب الحرام الحلال، لا سيما في الذبح الذي الأصل فيه الحرمة. وحجة أبي حنيفة رضي الله عنه : أن قوله تعالى :﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ نهى له عن الاصطياد حال كونه في الحرم، فلما لم يوجد واحد من هذين الأمرين وجب أن لا تحصل الحرمة.
المسألة الثامنة : الحلال إذا اصطاد صيداً وأدخله الحرم لزمه الارسال وإن ذبحه حرم ولزمه الجزاء وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، وقا الشافعي رحمه الله، وقال اشفعي رحمه الله يحل، وليس عليه ضمان. حجة الشافعي : قوله تعالى :﴿أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الانْعَـامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ (المائدة : ١) وحجة أبي حنيفة قوله تعالى :﴿لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ نهى عن قتل الصيد حال كونه محرماً، وهذا يتناول الصيد الذي اصطاده في الحل، والذي اصطاده في الحرم.
المسألة التاسعة : إذا قتل المحرم صيداً وأدى جزاءه، ثم قتل صيداً آخر لزمة جزاء آخر، وقال داود : لا يجب حجة الجمهور : أن قوله تعالى :﴿وَمَن قَتَلَه مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ ظاهره يقتضي أن علة وجوب الجزاء هو القتل، فوجب أن يتكرر الحكم عند تكرر العلة.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٢٩
فإن قيل : إذا قال الرجل لنسائه، من دخل منكن الدار فهي طالق، فدخلت واحدة مرتين لم يقع إلا طلاق واحد.
قلنا : الفرق أن القتل علة لوجوب الجزاء، فيلزم تكرر الحكم عند تكرر العلة. أما ههنا : دخول الدار شرط لوقوع الطلاق، فلم يلزم تكرر الحكم عند تكرر الشرط. حجة داود : قوله تعالى :﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْه ﴾ جعل جزاء العائد الانتقام لا الكفارة.


الصفحة التالية
Icon