المسألة العاشرة : قال الشافعي رحمه الله : إذا أصاب صيداً أعور أو مكسور اليد أو الرجل فداه بمثله، والصحيح أحب إليّ، وعلى هذا الكبير أولى من الصغير، ويفدى الذكر بالذكر، والأنثى بالأنثى، والأولى أن لا بغير، لأن نص القرآن إيجاب المثل، والأنثى وإن كانت أفضل من الذكر من حيث إنها تلد، فالذكر أفضل من الأنثى لأن لحمه أيب وصورته أحسن.
ثم قال تعالى :﴿يَحْكُمُ بِه ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال ابن عباس : يريد يحكم في جزاء الصيد رجلان صالحان ذوا عدل منكم أي من أهل ملتكم ودينكم فقيهان عدلان فينظران إلى أشبه الأشباه به من النعم فيحكمان به/ واحتج به من نصر قول أبي حنيفة رحمه الله في إيجاب القيمة، فقال : التقويم هو المحتاج إلى النظر والاجتهاد، وأما الخلقة والصورة، فظاهرة مشاهدة لا يحتاج فيها إلى الاجتهاد.
وجوابه : أن وجوه المشهابهة بين النعم وبين الصيد مختلفة وكثيرة، فلا بد من الاجتهاد في تمييز الأقوى من الأضعف، والذي يدل على صحة ما ذكرنا أنه قال ميمون بن مهران : جاء أعرابي إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال : إني أصبت من الصيد كذا وكذا، فسأل أبو بكر رضي الله عنه أبي بن كعب، فقال الأعرابي : أتيتك أسألك، وأنت تسأل غيرك، فقال أبو بكر رضي الله عنه : وما أنكرت من ذلك، قال الله تعالى :﴿يَحْكُمُ بِه ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ فشاورت صاحبي، فإذا اتفقنا على شيء أمرناك به، وعن قبيضة بن جابر : أنه حين كان محرماً ضرب ظبياً فمات، فسأل عمر بن الخطاب رضي لله عنه، وكان بجنبه عبد الرحمن بن عوف، فقال عمر لعبد الرحمن : ما ترى ؟
قال : عليه شاة. قال : وأنا أرى ذلك، فقال : إذهب قاهد شاة. قال قبيصة : فخرجت إلى صاحبي وقلت له إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره. قال : ففاجأني عمر وعلاني بالدرة، وقال : أتقتل في الحرم وتسفه الحكم، قال الله تعالى :﴿يَحْكُمُ بِه ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ فأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٢٩
المسألة الثانية : قال الشافعي رحمه الله : الذي له مثل ضربان فما حكمت فيه الصحابة بحكم لا يعدل عنه إلى غيره، لأنه شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى اجتهاد عدلين، فينظر إلى الأجناس الثلاثة من الأنعام فكل ما كان أقرب شبهاً به يوجبانه وقال مالك : يجب التحكيم فيما حكمت به الصحابة، وفيما لم تحكم به حجة الشافعي رحمه الله الآية دلت على أنه يجب أن يحكم به ذوا عدل، فإذا حكم به إثنان من الصحابة، فقد دخل تحت الآية، ثم ذاك أولى لما ذكرنا أنهم شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل.
المسألة الثالثة : قال الشافعي رحمه الله : يجوز أن يكون القاتل أحد العدلين إذا كان أخطأ فيه، فإن تعمد لا يجوز، لأنه يفسق به، وقال مالك : لا يجوز كما في تقويم المتلفات. حجة الشافعي رحمه الله : أنه تعالى أوجب أن يحكم به ذوا عدل، وإذا صدر عنه القتل خطأ كان عدلاً، فإذا حكم به هو وغيره فقد حكم به ذوا عدل، وأيضاً روي أن بعض الصحابة أوطأ فرسه ظبياً، فسأل عمر عنه، فقال عمر : احكمد فقال : أنت عدل يا أمير المؤمنين فاحكم، فقال عمر رضي الله عنه : إنما أمرتك أن تحكم وما أمرتك أن تزكيني، فقال : أرى فيه جدياً جمع الماء والشجر، فقال : افعل ما ترى، وعلى هذا التقدير قال أصحابنا : يجوز أن يكونا قاتلين.
المسألة الرابعة : لو حكم عدلان بمثل، وحكم عدلان رخران بمثل آخر، فيه وجهان : أحدهما : يتخير، والثاني : يأخذ بالأغلظ.


الصفحة التالية
Icon