ثم قال تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَسْـاـاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن﴾ وفيه وجوه : الأول : أنه بيّن بالآية الأولى أن تلك الأشياء التي سألوا عنها أن أبديت لهم ساءتهم ثم بين بهذه الآية أنهم إن سألوا عنها أبديت لهم، فكان حاصل الكلام أنهم إن سألوا عنها أبديت لهم، وإن أبديت لهم ساءتهم، فيلزم من مجموع المقدمتين أنهم إن سألوا عنها ظهر لهم ما يسوءهم ولا يسرهم. والوجه الثاني : في تأويل الآية أن السؤال على قسمين. أحدهما : السؤال عن شيء لم يجز ذكره في الكتاب والسنة بوجه من الوجوه، فهذا السؤال منهى عنه بقوله ﴿لا تَسْـاـاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
والنوع الثاني من السؤال : السؤال عن شيء نزل به لقرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي فههنا السؤال واجب، وهو المراد بقوله ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَسْـاـاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن﴾ والفائدة في ذكر هذا القسم أنه لما منع في الآية الأولى من السؤال أوهم أن جميع أنواع السؤال ممنوع منه فذكر ذلك تمييزاً لهذا القسم عن ذلك القسم.
فإن قيل قوله ﴿وَإِن تَسْـاَلُوا عَنْهَا﴾ هذا الضمير عائد إلى الأشياء المذكورة في قوله ﴿لا تَسْـاـاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ﴾ فكيف يعقل في ﴿أَشْيَآءَ﴾ بأعيانها أن يكون السؤال عنها ممنوعاً وجائزاً معاً.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٤٢
قلنا : الجواب عنه من وجهين : الأول : جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعاً قبل نزول القرآن بها ومأموراً به بعد نزول القرآن بها، والثاني : أنهما وإن كانا نوعين مختلفين، إلا أنهما في كون كل واحد منهما مسؤولاً عنه شيء واحد، فلهذا حسن اتحاد الضمير وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين.
الوجه الثالث في تأويل الآية : إن قوله ﴿لا تَسْـاـاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ﴾ دل على سؤالاتهم عن تلك الأشياء، فقوله ﴿وَإِن تَسْـاَلُوا عَنْهَا﴾ أي وإن تسألوا عن تلك السؤالات حين ينزل القرآن لكم أن تلك السؤالات هل هي جائزة أم لا، والحاصل أن المراد من هذه الآية أنه يجب السؤال أولاً، وأنه هل يجوز السؤال عن كذا وكذا أم لا.
ثم قال تعالى :﴿عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾ وفيه وجوه : الأول : عفا الله عما سلف من مسائلكم وإغضابكم للرسول بسببها، فلا تعودوا إلى مثلها. الثاني : ىنه تعالى ذكر أن تلك الأشياء التي سألوا عنها إن أبديت لهم ساءتهم، فقال ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾ يعني عما ظهر عند تلك السؤالات مما يسؤكم ويثقل ويشق في التكليف عليكم. الثالث : في الآية تقديم وتأخير، والتقدير : لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها في الآية ﴿إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ وهذا ضعيف لأن الكلام إذا اسقام من غير تغيير النظم لم يجز المصير إلى التقديم والتأخير، وعلى هذا الوجه فقوله ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾ أي أمسك عنها وكف عن ذكرها ولم يكلف فيها بشيء، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام :"عفوت لكم عن صدقة الخيل، والرقيق" أي خففت عنكم بإسقاطها.
ثم قال تعالى :﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ وهذه الآية تدل على أن المراد من قوله عفا الله عنها ما كذرناه في الوجه الأول. ثم قال تعالى :
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٤٢
٤٤٥
قال المفسرون : يعني قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها وقوم موسى
قال المفسرون : يعني قوم صالح سألوا الناقة ثم عقروها وقوم موسى قالوا :﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ (النساء : ١٥٣) فصار ذلك وبالاً عليهم، وبنو إسرائيل ﴿قَالُوا لِنَبِىٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَـاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّه ﴾ قال تعالى : فما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم} وو ﴿قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ (البقرة : ٢٤٦ ـ ٢٤٧) فسألوها ثم كفروا بها، وقوم عيسى سألوا عن أشياء فلعلّكم إن أعطيتم سؤلكم ساءكم ذلك فإن قيل : إنه تعالى قال : أولاً :﴿لا تَسْـاـاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ﴾ (المائدة : ١٠١) ثم قال ههنا :﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ﴾ وكان الأولى أن يقول : قد سأل عنها قوم فما السبب في ذلك.


الصفحة التالية
Icon