المسألة الثانية : لقائل أن يقول : لم ذكر اسم الإشارة والمشار إليه مؤنث، وهو السورة، / الجواب : لا نسلم أن المشار إليه مؤنث ؛ لأن المؤنث إما المسمى أو الاسم، والأول باطل، لأن المسمى هو ذلك البعض من القرآن وهو ليس بمؤنث، وأما الاسم فهو (آلم) وهو ليس بمؤنث، نعم ذلك المسمى له اسم آخر ـ وهو السورة ـ وهو مؤنث، لكن المذكور السابق هو الاسم الذي ليس بمؤنث وهو (آلم)، لا الذي هو مئنث وهو السورة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٨
مدلول لفظ "كتاب" :
المسألة الثالثة : اعلم أن أسماء القرآن كثيرة : أحدها : الكتاب وهو مصدر كالقيام والصيام وقيل : فعال بمعنى مفعول كاللباس بمعنى الملبوس، واتفقوا على أن المراد من الكتاب القرآن قال :﴿كِتَـابٌ أَنزَلْنَـاهُ إِلَيْكَ﴾ (ص : ٢٩) والكتاب جاء في القرآن على وجوه : أحدها : الفرض ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ (البقرة : ١٧٨) ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ (البقرة : ١٨٣) ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَواةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَـامًا وَقُعُودًا﴾ (النساء : ١٠٣) وثانيها : الحجة والبرهان ﴿فَأْتُوا بِكِتَـابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ (الصافات : ١٥٧) أي برهانكم. وثالثها : الأجل ﴿وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ﴾ (الحجر : ٤) أي أجل. ورابعها : بمعنى مكاتبة السيد عبده ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـانُكُمْ﴾ (النور : ٣٣) وهذا المصدر فعال بمعنى المفاعلة كالجدال والخصام والقتال بمعنى المجادلة والمخاصمة والمقاتلة، واشتقاق الكتاب من كتبت الشيء إذا جمعته، وسميت الكتيبة لاجتماعها، فسمي الكتاب كتاباً لأنه كالكتيبة على عساكر الشبهات، أو لأنه اجتمع فيه جميع العلوم، أو لأن الله تعالى ألزم فيه التكاليف على الخلق.
اشتقاق لفظ "قرآن" :
وثانيها : القرآن ﴿قُل لَّـاـاِنِ اجْتَمَعَتِ الانسُ وَالْجِنُّ عَلَى ا أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـاذَا الْقُرْءَانِ﴾ (الإسراء : ٨٨) ﴿إِنَّا جَعَلْنَـاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا﴾ (الزخرف : ٣) ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ﴾ (البقرة : ١٨٥). ﴿إِنَّ هَـاذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء : ٩) وللمفسرين فيه قولان : أحدهما : قول ابن عباس أن القرآن والقراءة واحد، كالخسران والخسارة واحد/ والدليل عليه قوله :﴿فَإِذَا قَرَأْنَـاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَه ﴾ (القيامة : ١٨) أي تلاوته، أي إذا تلوناه عليك فاتبع تلاوته : الثاني : وهو قول قتادة أنه مصدر من قول القائل : قرأت الماء في الحوض إذا جمعته، وقال سفيان بن عيينة : سمي القرآن قرآناً لأن الحروف جمعت فصارت كلمات، والكلمات جمعت فصارت آيات، والآيات جمعت فصارت سوراً، والسور جمعت فصارت قرآناً، ثم جمع فيه علوم الأولين والآخرين. فالحاصل أن اشتقاق لفظ القرآن إما من التلاوة أو من الجمعية.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٨
معنى الفرقان :
وثالثها : الفرقان ﴿تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِه ﴾ (الفرقان : ١). ﴿وَبَيِّنَـاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ (البقرة : ١٨٥) واختلفوا في تفسيره، فقيل : سمي بذلك لأن نزوله كان متفرقاً أنزله في نيف وعشرين سنة، ودليله قوله تعالى :﴿وَقُرْءَانًا فَرَقْنَـاهُ لِتَقْرَأَه عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـاهُ تَنزِيلا﴾ (الإسراء : ١٠٦) ونزلت سائر الكتب جملة واحدة، ووجه الحكمة فيه ذكرناه في سورة الفرقان في قوله تعالى :﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةًا كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَا وَرَتَّلْنَـاهُ تَرْتِيلا﴾ (الفرقان : ٣٢) وقيل : وقال الذين كفروا سمي بذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، والمجمل والمبين، والمحكم والمؤول، وقيل : الفرقان هو النجاة، وهو قول عكرمة والسدي، وذلك لأن الخلق في ظلمات الضلالات فبالقرآن وجدوا النجاة، / وعليه حمل المفسرون قوله :﴿وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (البقرة : ٥٣).
معنى تسميته بالذكر :
ورابعها : الذكر، والتذكرة، والذكرى، أما الذكر فقوله :﴿وَهَـاذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَـاه ﴾ (الأنبياء : ٥٠) ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ (الحجر : ٩). ﴿وَإِنَّه لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ (الزخرف : ٤٤) وفيه وجهان : أحدهما : أنه ذكر من الله تعالى ذكر به عباده فعرفهم تكاليفه وأوامره. والثاني : أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به، وأنه شرف لمحمد صلى الله عليه وسلّم، وأمته، وأما التذكرة فقوله :﴿وَإِنَّه لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (الحاقة : ٤٨) وأما الذكرى فقوله تعالى :﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الذاريات : ٥٥).
تسميته تنزيلاً وحديثاً :


الصفحة التالية
Icon