المسألة الثانية : الضمير في قوله :﴿وَإِنَّه لَفِسْقٌ ﴾ إلى ماذا يعود ؟
فيه قولان : الأول : أن قوله ﴿لا تَأْكُلُوا ﴾ يدل على الأكل، لأن الفعل يدل على المصدر، فهذا الضمير عائد إلى هذا المصدر. والثاني : كأنه جعل ما لم يذكر اسم الله عليه في نفسه فسقاً، على سبيل المبالغة.
وأما قوله :﴿وَإِنَّ الشَّيَـاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى ا أَوْلِيَآاـاِهِمْ لِيُجَـادِلُوكُمْ ﴾ ففيه قولان : الأول : أن المراد من الشياطين ههنا إبليس وجنوده، وسوسوا إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوا محمداً صلى الله عليه وسلّم / وأصحابه في أكل الميتة. والثاني : قال عكرمة : وإن الشياطين، يعني مردة المجوس، ليوحون إلى أوليائهم من مشركي قريش، وذلك لأنه لما نزل تحريم الميتة سمعه المجوس من أهل فارس، فكتبوا إلى قريش وكانت بينهم مكاتبة، أن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، ثم يزعمون أن ما يذبحونه حلال وما يذبحه الله حرام. فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ثم قال :﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ يعني في استحلال الميتة ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ قال الزجاج : وفيه دليل على أن كل من أهل شيئاً مما حرم الله تعالى، أو حرم شيئاً مما أحل الله تعالى فهو مشرك، وإنما سمي مشركاً لأنه أثبت حاكماً سوى الله تعالى، وهذا هو الشرك.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٣٢
المسألة الثالثة : قال الكعبي : الآية حجة على أن الإيمان اسم لجميع الطاعات وإن كان معناه في اللغة التصديق، كما جعل تعالى الشرك اسماً لكل ما كان مخالفاً لله تعالى، وإن كان في اللغة مختصاً بمن يعتقد أن لله شريكاً، بدليل أنه تعالى سمى طاعة المؤمنين للمشركين في إباحة الميتة شركاً.
ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون المراد من الشرك ههنا اعتقاد أن الله تعالى شريكاً في الحكم والتكليف ؟
وبهذا التقدير يرجع معنى هذا الشرك إلى الاعتقاد فقط.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٣٢
١٣٥
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن المشركين يجادلون المؤمنين في دين الله ذكر مثلاً يدل على حال المؤمن المهتدي، وعلى حال الكافر الضال، فبين أن المؤمن المهتدي بمنزلة من كان ميتاً، فجعل حياً بعد ذلك وأعطى نوراً يهتدى به في مصالحه، وأن الكافر بمنزلة من هو في ظلمات منغمس فيها لا خلاص له منها، فيكون متحيراً على الدوام.
ثم قال تعالى :﴿كَذَالِكَ زُيِّنَ لِلْكَـافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وعند هذا عادت مسألة الجبر والقدر / فقال أصحابنا : ذلك المزين هو الله تعالى، ودليله ما سبق ذكره من أن الفعل يتوقف على حصول الداعي وحصوله لا بد وأن يكون بخلق الله تعالى، والداعي عبارة عن علم أو اعتقاد أو ظن باشتمال ذلك الفعل على نفع زائد وصلاح راجح، فهذا الداعي لا معنى له إلا هذا التزيين، فإذا كان موجد هذا الداعي هو الله تعالى كان المزين لا محالة هو الله تعالى، وقالت المعتزلة : ذلك المزين هو الشيطان، وحكوا عن الحسن أنه قال : زينه لهم والله الشيطان. واعلم أن هذا في غاية الضعف لوجوه : الأول : الدليل القاطع الذي ذكرناه. والثاني : أن هذا المثل مذكور ليميز الله حال المسلم من الكافر فيدخل فيه الشيطان. فإن كان إقدام ذلك الشيطان على ذلك الكفر لشيطان آخر، لزم الذهاب إلى مزين آخر غير النهاية. وإلا فلا بد من مزين آخر سوى الشيطان. الثالث : أنه تعالى صرح بأن ذلك المزين ليس إلا هو فيما قبل هذه الآية وما بعدها، أما قبلها فقوله :﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍا كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ وأما بعد هذه الآية فقوله :﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَـابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾.
المسألة الثانية : قوله :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـاهُ﴾ قرأ نافع ﴿مَيْتًا﴾ مشدداً، والباقون مخففاً قال أهل اللغة : الميت مخففاً تخفيف ميت، ومعناهما واحد ثقل أو خفف.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٣٥


الصفحة التالية
Icon