الثلاثون : الكريم ﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ * فِى كِتَـابٍ مَّكْنُونٍ﴾ (الواقعة : ٧٧) واعلم أنه تعالى سمي سبعة أشياء بالكريم ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ (الانفطار : ٦٠) إذ لا جواد إجود منه، والقرآن بالكريم، لأنه لا يستفاد من كتاب من الحكم والعلوم ما يستفاد منه، وسمي موسى كريماً ﴿وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ (الدخان : ١٧) وسمي ثواب الأعمال كريماً ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ (يس : ١١) وسمي عرشه كريماً ﴿اللَّهُ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ﴾ (النمل : ٢٦) لأنه منزل الرحمة، وسمي جبريل كريماً ﴿إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ (التكوير : ١٩) ومعناه أنه عزيز، وسمي كتاب سليمان كريماً ﴿إِنِّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَـابٌ كَرِيمٌ﴾ (النمل : ٢٩) فهو كتاب كريم من رب كريم نزل به ملك كريم على نبي كريم لأجل أمة كريمة، فإذا تمسكوا به نالوا ثواباً كريماً.
ومن أسمائه "العظيم" :
الحادي والثلاثون : العظيم :﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَـاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ﴾ (الحجر : ٨٧) اعلم أنه تعالى سمى نفسه عظيماً فقال :﴿وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ﴾ (البقرة : ٢٥٥) وعرشه عظيماً ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (التوبة : ١٢٩) وكتابه عظيماً ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَـاكَ﴾ (الحجر : ٨٧) ويوم القيامة عظيماً ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ (المطففين : ٥، ٦) والزلزلة عظيمة ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ﴾ (الحج : ١) وخلق الرسول عظيماً ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم : ٤) والعلم عظيماً ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ (النساء : ١١٣) وكيد النساء عظيماً ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ (يوسف : ٢٨) وسحر سحرة / فرعون عظيماً ﴿وَجَآءُو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ (الأعراف : ١١٦) وسمي نفس الثواب عظيماً ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِا لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الفتح : ٢٩) وسمي عقاب المنافقين عظيماً ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (البقرة : ٧).
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٨
ومنها المبارك :
الثاني والثلاثون : المبارك :﴿وَهَـاذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ﴾ (الأنبياء : ٥٠) وسمى الله تعالى به أشياء، فسمي الموضع الذي كلم فيه موسى عليه السلام مباركاً ﴿فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَـارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ (القصص : ٣٠) وسمى شجرة الزيتون مباركة ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ (التوبة : ٣٥) لكثرة منافعها، وسمي عيسى مباركاً ﴿وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا﴾ (مريم : ٣١) وسمي المطر مباركاً ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَـارَكًا﴾ (ق : ٩) لما فيه من المنافع، وسمي ليلة القدر مباركة ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍ ﴾ (الدخان : ٣) فالقرآن ذكر مبارك أنزله ملك مبارك في ليلة مباركة على نبي مبارك لأمة مباركة.
اتصال "آلم" بقوله "ذلك الكتاب" :
المسألة الرابعة : في بيان اتصال قوله :﴿ الر ﴾ بقوله :﴿ذَالِكَ الْكِتَـابُ﴾ قال صاحب الكشاف : إن جعلت ﴿ الر ﴾ اسماً للسورة ففي التأليف وجوه :
الأول : أن يكون ﴿ الر ﴾ مبتدأ و﴿ذَالِكَ﴾ مبتدأ ثانياً و﴿الْكِتَـابُ﴾ خبره والجملة خبر المبتدأ الأول/ ومعناه أن ذلك هو الكتاب الكامل، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص، وإنه الذي يستأهل أن يكون كتاباً كما تقول : هو الرجل، أي الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال، وأن يكون الكتاب صفة، ومعناه هو ذلك الكتاب الموعود، وأن يكون ﴿ الر ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هذه ﴿ الر * ذَالِكَ الْكِتَـابُ﴾ خبراً ثانياً أو بدلاً على أن الكتاب صفة، ومعناه هو ذلك، وأن تكون هذه ﴿ الر ﴾ جملة و﴿ذَالِكَ الْكِتَـابُ﴾ جملة أخرى وإن جعلت ﴿ الر ﴾ بمنزلة الصوت كان ﴿ذَالِكَ﴾ مبتدأ وخبره ﴿الْكِتَـابُ﴾ أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل، أو الكتاب صفة والخبر ما بعده أو قدر مبتدأ محذوف، أي هو يعني المؤلف من هذه الحروف ذلك الكتاب وقرأ عبد الله ﴿الاـم * تَنزِيلُ الْكِتَـابِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ (السجدة : ٢) وتأليف هذا ظاهر.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٨
تفسير قوله تعالى :﴿لا رَيْبَا فِيه ﴾ :
قوله تعالى :﴿لا رَيْبَا فِيه ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : الريب قريب من الشك، . وفيه زيادة، كأنه ظن سوء تقول رابني أمر فلان إذا ظننت به سوء، ومنها قوله عليه السلام :"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" فإن قيل : قد يستعمل الريب في قولهم :"ريب الدهر" و"ريب الزمان" أي حوادثه قال الله تعالى :﴿نَّتَرَبَّصُ بِه رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ (الطور : ٣٠) ويستعمل أيضاً في معنى ما يختلج في القلب من أسباب الغيظ كقول الشاعر :
فقضينا من تهامة كل ريب
وخيبر ثم أجمعنا السيوفا