ثم قال :﴿افْتِرَآءً عَلَيْه ﴾ فانتصابه على أنه مفعول له أو حال أو مصدر مؤكد، لأن قولهم ذلك في معنى الافتراء.
ثم قال تعالى :﴿سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ والمقصود منه الوعيد.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٦٠
١٦١
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : هذا نوع رابع من أنواع قضاياهم الفاسدة. كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب ما ولد منها حياً فهو خالص لذكور لا تأكل منها الأناث، وما ولد ميتاً اشترك فيه الذكور والإناث. سيجزيهم وصفهم، والمراد منه الوعيد ﴿إِنَّه حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ ليكون الزجر واقعاً على حد الحكمة وبحسب الاستحقاق.
المسألة الثانية : ذكر ابن الأنباري في تأنيث ﴿خَالِصَةٌ﴾ ثلاثة أقوال : قولين للفراء وقولاً للكسائي : أحدها : أن الهاء ليست للتأنيث. وإنما هي للمبالغة في الوصف كما قالوا : راوية، وعلامة، ونسابة، والداهية، والطاغية. كذلك يقول ؛ هو خالصة لي، وخالص لي. هذا قول الكسائي.
والقول الثاني : أن ﴿مَآ﴾ في قوله :﴿مَا فِى بُطُونِ هَـاذِهِ الانْعَـامِ﴾ عبارة عن الأجنة، وإذا كان عبارة عن مؤنث جاز تأنيثه على المعنى، وتذكيره على اللفظ، كما في هذه الآية، فإنه أنث خبره الذي هو ﴿خَالِصَةٌ﴾ لمعناه، وذكر في قوله :﴿وَمُحَرَّمٌ﴾ على اللفظ. والثالث : أن يكون مصدراً والتقدير : ذو خالصة كقولهم : عطاؤك عافية، والمطر رحمة، والرخص نعمة.
المسألة الثالثة : قرأ ابن عامر ﴿إِن يَكُنْ﴾ بالتاء و﴿مَيْتَةً﴾ بالنصب وقرأ ابن كثير ﴿يَكُنِ﴾ بالياء ﴿مَيْتَةً﴾ بالرفع، وقرأ أبو بكر عن عاصم ﴿تَكُنْ﴾ بالتاء ﴿مَيْتَةً﴾ بالنصب، والباقون ﴿يَكُنِ﴾ بالياء ﴿مَيْتَةً﴾ بالنصب. أما قراءة ابن عامر، فوجهها أنه ألحق الفعل علامة التأنيث لما كان الفاعل مؤنثاً في اللفظ وأما قراءة ابن كثير فوجهها أن قوله :﴿مَيْتَةً﴾ اسم ﴿يَكُنِ﴾ وخبره مضمر. والتقدير : وإن يكن لهم ميتة أو وإن يكن هناك ميتة. وذكر لأن الميتة في معنى الميت. قال أبو علي : لم يلحق الفعل علامة التأنيث لما كان الفاعل المسند إليه تأنيثه غير حقيقي، ولا يحتاج الكون إلى خبر، لأنه بمعنى حدث ووقع. وأما قراءة عاصم ﴿تَكُنْ﴾ بالتاء ﴿مَيْتَةً﴾ بالنصب فالتقدير وإن تكن المذكور ميته فأنث / الفعل لهذا السبب وأما قراءة الباقين ﴿وَإِن يَكُن﴾ بالياء ﴿مَيْتَةً﴾ بالنصب. فتأويلها، وإن يكن المذكور ميتة ذكروا الفعل لأنه مسند إلى ضمير ما تقدم في قوله :﴿مَا فِى بُطُونِ هَـاذِهِ الانْعَـامِ﴾ وهو مذكر، وانتصب قوله ﴿مَيْتَةً﴾ لما كان الفعل مسنداً إلى الضمير.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٦١
١٦٢
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى ذكر فيما تقدم قتلهم أولادهم وتحريمهم ما رزقهم الله. ثم إنه تعالى جمع هذين الأمرين في هذه الآية وبين ما لزمهم على هذا الحكم، وهو الخسران والسفاهة، وعدم العلم، وتحريم ما رزقهم الله، والافتراء على الله، والضلال وعدم الاهتداء، فهذه أمور سبعة وكل واحد منها سبب تام في حصول الذم.
أما الأول : وهو الخسران، وذلك لأن الولد نعمة عظيمة من الله على العبد، فإذا سعى في إبطاله، فقد خسر خسراناً عظيماً لا سيما ويستحق على ذلك الإبطال الذم العظيم في الدنيا، والعقاب العظيم في الآخرة. أما الذم في الدنيا فلأن الناس يقولون قتل ولده خوفاً من أن يأكل طعامه وليس في الدنيا ذم أشد منه. وأما العقاب في الآخرة، فلأن قرابة الولادة أعظم موجبات المحبة فمع حصولها إذا أقدم على إلحاق أعظم المضار به كان ذلك أعظم أنواع الذنوب، فكان موجباً لأعظم أنواع العقاب.
والنوع الثاني : السفاهة وهي عبارة عن الخفة المذمومة، وذلك لأن قتل الولد إنما يكون للخوف من الفقر، والفقر وإن كان ضرراً إلا أن القتل أعظم منه ضرراً، وأيضاً فهذا القتل ناجز وذلك الفقر موهوم فالتزام أعظم المضار على سبيل القطع حذراً من ضرر قليل موهوم، لا شك أنه سفاهة.
والنوع الثالث : قوله :﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ فالمقصود أن هذه السفاهة إنما تولدت من عدم العلم ولا شك أن الجهل أعظم المنكرات والقبائح.
والنوع الرابع : تحريم ما أحل الله لهم، وهو أيضاً من أعظم أنواع الحماقة، لأنه يمنع نفسه تلك المنافع والطيبات، ويستوجب بسبب ذلك المنع أعظم أنواع العذاب والعقاب.
والنوع الخامس : الافتراء على الله، ومعلوم أن الجراءة على الله، والافتراء عليه أعظم الذنوب وأكبر الكبائر.
والنوع السادس : الضلال عن الرشد في مصالح الدين ومنافع الدنيا.
والنوع السابع : أنهم ما كانوا مهتدين، والفائدة فيه أنه قد يضل الإنسان عن الحق إلا أن يعود إلى الاهتداء، فبين تعالى أنهم قد ضلوا ولم يحصل لهم الاهتداء قط. فثبت أنه تعالى ذم الموصوفين بقتل الأولاد وتحريم ما أحله الله تعالى لهم بهذه الصفات السبعة الموجبة لأعظم أنواع الذم، وذلك نهاية المبالغة.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٦٢
١٦٥
في الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon