المسألة الثانية : قال سيبويه :﴿نِعْمَ﴾ عدة وتصديق، وقال الذين شرحوا كلامه معناه : إنه / يستعمل تارة عدة، وتارة تصديقاً، وليس معناه : أنه عدة وتصديق معاً ألا ترى أنه إذا قال : أتعطيني ؟
وقال نعم كان عدة ولا تصديق فيه، وإذا قال : قد كان كذا وكذا. فقلت : نعم فقد صدقت ولا عدة فيه، وأيضاً إذا استفهمت عن موجب كما يقال : أيقوم زيد ؟
قلت : نعم ولو كان مكان الإيجاب نفياً لقلت : بلى ولم تقل نعم فلفظة نعم مختصة بالجواب عن الإيجاب، ولفظة بلى مختصة بالنفي كما في قوله تعالى :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى ﴾ (الأعراف : ١٧٢).
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٤٧
المسألة الثالثة : قرأ الكسائي ﴿نِعْمَ﴾ بكسر العين في كل القرآن. قال أبو الحسن : هما لغتان قال أبو حاتم : الكسر ليس بمعروف، واحتج الكسائي بأنه روى عن عمر أنه سأل قوماً عن شيء فقالوا : نعم. فقال عمر : أما النعم فالإبل. قال أبو عبيدة : هذه الرواية عن عمر غير مشهورة.
أما قوله تعالى :﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُا بَيْنَهُمْ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : معنى التأذين في اللغة النداء والتصويت بالإعلام، والأذان للصلاة إعلام بها وبوقتها، وقالوا في :﴿أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ نادى مناد أسمع الفريقين. قال ابن عباس : وذلك المؤذن من الملائكة وهو صاحب الصور.
المسألة الثانية : قوله :﴿بَيْنَهُمْ﴾ يحتمل أن يكون ظرفاً لقوله :﴿أَذِنَ﴾ والتقدير : أن المؤذن أوقع ذلك الأذان بينهم، وفي وسطهم، ويحتمل أن يكون صفة لقوله :﴿مُؤَذِّنٌ﴾ والتقدير : أن مؤذناً من بينهم أذن بذلك الأذان، والأول أولى والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ﴿ءَانٍ﴾ مخففة ﴿لَّعْنَةُ﴾ بالرفع والباقون مشددة ﴿لَّعْنَةُ﴾ بالنصب. قال الواحدي رحمه الله : من شدد فهو الأصل، ومن خفف ﴿ءَانٍ﴾ فهي مخففة من الشديدة على إرادة إضمار القصة والحديث تقديره أنه لعنه الله، ومثله قوله تعالى :﴿دَعْوَاـاهُمْ فِيهَا سُبْحَـاـنَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـامٌ ﴾ (يونس : ١٠) التقدير : أنه، ولا تخفف أن إلا ويكون معها إضمار الحديث والشأن. ويجوز أيضاً أن تكون المخففة هي التي للتفسير كأنها تفسير لما أذنوا به كما ذكرناه في قوله :﴿أَن قَدْ وَجَدْنَا﴾ وروى صاحب "الكشاف" أن الأعمش قرأ ﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ﴾ بكسر ﴿ءَانٍ﴾ على إرادة القول، أو على إجراء ﴿أَذِنَ﴾ مجرى "قال".
المسألة الثانية : اعلم أن هذه الآية تدل على أن ذلك المؤذن، أوقع لعنة الله على من كان موصوفاً بصفات أربعة.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٤٧
الصفة الأولى : كونهم ظالمين. لأنه قال :﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ﴾ قال أصحابنا المراد منه / المشركون، وذلك لأن المناظرة المتقدمة إنما وقعت بين أهل الجنة وبين الكفار، بدليل أن قول أهل الجنة هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟
لا يليق ذكره إلا مع الكفار.
وإذا ثبت هذا فقول المؤذن بعده ﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ﴾ يجب أن يكون منصرفاً إليهم، فثبت أن المراد بالظالمين ههنا، المشركون/ وأيضاً أنه وصف هؤلاء الظالمين بصفات ثلاثة. هي مختصة بالكفار وذلك يقوي ما ذكرناه، وقال القاضي المراد منه، كل من كان ظالماً سواء كان كافراً أو كان فاسقاً تمسكاً بعموم اللفظ.
الصفة الثانية : قوله :﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ومعناه : أنهم يمنعون الناس من قبول الدين الحق، تارة بالزجر والقهر، وأخرى بسائر الحيل.
والصفة الثالثة : قوله :﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ والمراد منه إلقاء الشكوك والشبهات في دلائل الدين الحق.
والصفة الرابعة : قوله :﴿وَهُم بِالاخِرَةِ كَـافِرُونَ﴾ واعلم أنه تعالى لما بين أن تلك اللعنة إنما أوقعها ذلك المؤذن على الظالمين الموصوفين بهذه الصفات الثلاثة، كان ذلك تصريحاً بأن تلك اللعنة ما وقعت إلا على الكافرين، وذلك يدل على فساد ما ذكره القاضي من أن ذلك اللعن يعم الفاسق والكافر. والله أعلم.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٤٧
٢٥١
اعلم أن قوله :﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ﴾ يعني بين الجنة والنار أو بين الفريقين، وهذا الحجاب هو المشهور المذكور في قوله :﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّه بَابُ ﴾ (الحديد : ١٣).
فإن قيل : وأي حاجة إلى ضرب هذا السور بين الجنة والنار ؟
وقد ثبت أن الجنة فوق السموات / وأن الجحيم في أسفل السافلين.
قلنا : بعد إحداهما عن الأخرى لا يمنع أن يحصل بينهما سور وحجاب، وأما الأعراف فهو جمع عرف وهو كل مكان عال مرتفع، ومنه عرف الفرس وعرف الديك، وكل مرتفع من الأرض عرف، وذلك لأنه بسبب ارتفاعه يصير أعرف مما انخفض منه.
إذا عرفت هذا فنقول : في تفسير لفظ الأعراف قولان :


الصفحة التالية
Icon