المسألة الخامسة : اختلفوا في ذوي القربى. قيل : هم بنو هاشم. وقال الشافعي رحمه الله : هم بنو هاشم وبنو المطلب. واحتج بالخبر الذي رويناه. وقيل : آل علي، وجعفر، وعقيل، وآل عباس، وولد الحرث بن عبد المطلب، وهو قول أبي حنيفة.
المسألة السادسة : حكى صاحب "الكشاف" عن الكلبي : أن هذه الآية نزلت ببدر. وقال الواقدي رحمه الله : كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة.
ثم قال تعالى :﴿وَقَالَ مُوسَى يَـاقَوْمِ إِن﴾ والمعنى اعلموا أن خمس الغنيمة مصروف إلى هذه الوجوه الخمسة فاقطعوا عنه أطماعكم واقنعوا بالأخماس الأربعة ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه ﴾ يعني : إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل على عبدنا يوم الفرقان، يوم بدر. والجمعان : الفريقان من المسلمين والكافرين، والمراد منه ما أنزل عليه من الآيات، والملائكة، والفتح في ذلك اليوم ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي يقدر على نصركم وأنتم قليلون ذليلون والله أعلم.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٨٦
٤٨٧
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في قوله :﴿إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا﴾ قولان : أحدهما : أنه متعلق بمضمر معناه واذكروا إذ أنتم كذا وكذا، كما قال تعالى :﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ﴾ (الأنفال : ٢٦) والثاني : أن يكون قوله :﴿إِذِ﴾ بدلاً عن يوم الفرقان.
المسألة الثانية : قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ﴿بِالْعُدْوَةِ﴾ بكسر العين في الحرفين. والباقون بالضم، وهما لغتان. قال ابن السكيت : عدوة الوادي وعدوته جانبه، والجمع عدى، وعدي. قال الأخفش : الكسر كلام العرب لم يسمع عنهم غير ذلك. وقال أحمد بن يحيى : الضم في العدوة أكثر اللغتين. وحكى صاحب "الكشاف" : الضم والفتح والكسر. قال : وقرىء بهن وعلى قلب الواو ياء، لأن بينها وبين الكسر حاجزاً غير حصين، كما في الفتية. وأما ﴿الْحَيَواةَ الدُّنْيَآ﴾ فتأنيث الأدنى وضده ﴿الْقُصْوَى ﴾ وهو تأنيث الأقصى، وكل شيء تنحى عن شيء، فقد قصا، والأقصى والقصوى كالأكبر والكبرى.
فإن قيل : كلتاهما فعلى من باب الواو، فلم جاءت إحداهما بالياء والثانية بالواو ؟
قلنا : القياس قلب الواو ياء، كالعليا. وأما القصوى، فقد جاء شاذاً، وأكثر استعماله على أصله.
المسألة الثالثة : المراد بالعدوة الدنيا، ما يلي جانب المدينة، وبالقصوى، ما يلي جانب مكة وكان الماء في العدوة التي نزل بها المشركون، وكان استظهارهم من هذا الوجه أشد ﴿وَالرَّكْبُ﴾ العير التي خرجوا لها كانت في موضع ﴿أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ إلى ساحر البحر ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ﴾ أنتم وأهل / مكة على القتال، لخالف بعضكم بعضاً لقلتكم وكثرتهم ﴿وَلَـاكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا﴾ أي أنه يثبتكم الله، وينصركم، ليقضي أمراً كان مفعولاً، واجباً أن يخرج إلى الفعل وقوله :﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ﴾ بدل من قوله :﴿لِّيَقْضِيَ﴾ وفيه مسائل :
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٨٧
المسألة الأولى : لا شك أن عسكر الرسول عليه السلام في أول الأمر كانوا في غاية الخوف والضعف بسبب القلة وعدم الأهبة، ونزلوا بعيدين عن الماء، وكانت الأرض التي نزلوا فيها أرضاً رملية تغوص فيها أرجلهم. وأما الكفار، فكانوا في غاية القوة بسبب الكثرة في العدد، وبسبب حصول الآلات والأدوات، لأنهم كانوا قريبين من الماء، ولأن الأرض التي نزلوا فيها كانت صالحة للمشي، ولأن العير كانوا خلف ظهورهم، وكانوا يتوقعون مجيء المدد من العير إليهم ساعة فساعة، ثم إنه تعالى قلب القصة وعكس القضية، وجعل الغلبة للمسلمين، والدمار على الكافرين فصار ذلك من أعظم المعجزات وأقوى البينات على صدق محمد صلى الله عليه وسلّم، فيما أخبر عن ربه من وعد النصر والفتح والظفر. فقوله :﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنا بَيِّنَةٍ﴾ إشارة إلى هذا المعنى، وهو أن الذين هلكوا إنما هلكوا بعد مشاهدة هذه المعجزة، والمؤمنون الذين بقوا في الحياة شاهدوا هذه المعجزة القاهرة، والمراد من البينة هذه المعجزة.
المسألة الثانية : اللام في قوله :﴿لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا﴾ وفي قوله :﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنا بَيِّنَةٍ﴾ لام الغرض، وظاهره يقتضي تعليل أفعال الله وأحكامه بالأغراض والمصالح/ إلا أنا نصرف هذا الكلام عن ظاهره بالدلائل العقلية المشهورة.
المسألة الثالثة : قوله :﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنا بَيِّنَةٍ﴾ ظاهره يقتضي أنه تعالى أراد من الكل العلم والمعرفة والخير والصلاح، وذلك يقدح في قول أصحابنا : أنه تعالى أراد الكفر من الكافر، لكنا نترك هذا الظاهر بالدلائل المعلومة.


الصفحة التالية
Icon