المسألة السابعة : من الناس من قال : السمع أفضل من البصر، لأن الله تعالى حيث ذكرهما قدم السمع على البصر، والتقديم دليل على الفضيل، ولأن السمع شرط النبوة بخلاف البصر، ولذلك ما بعث الله رسولاً أصم، وقد كان فيهم من كان مبتلي بالعمى، ولأن بالسمع تصل نتائج عقول البعض إلى البعض، فالسمع كأنه سبب لاستكمال العقل بالمعارف، والبصر لا يوقفك إلا على المحسوسات، ولأن السمع متصرف في الجهات الست بخلاف البصر، ولأن السمع متى بطل بطل النطق، والبصر إذا بطل لم يبطل النطق. ومنهم من قدم البصر، لأن آلة القوة الباصرة أشرف، ولأن متعلق القوة الباصرة هو النور، ومتعلق القوة السامعة الريح.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩١
المسألة الثامنة : قوله :﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ يدل على أن محل العلم هو القلب. واستقصينا بيانه في قوله :﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ * عَلَى قَلْبِكَ﴾ (الشعراء : ١٩٣) في سورة الشعراء.
المسألة التاسعة : قال صاحب الكشاف : البصر نور العين وهو ما يبصر به الرائي ويدرك المرئيات، كما أن البصيرة نور القلب، وهو ما يستبصر به ويتأمل، فكأنهما جوهران لطيفان خلق الله تعالى فيهما آلتين للأبصار والاستبصار، أقول : إن أصحابه من المعتزلة لا يرضون منه بهذا الكلام : وتحقيق القول في الأبصار يستدعي أبحاثاً غامضة لا تليق بهذا الموضع.
المسألة العاشرة : قرىء ﴿غِشَـاوَةٌ ﴾ بالكسر والنصب، وغشاوة بالضم والرفع، وغشاوة بالفتح والنصب، وغشوة بالكسر والرفع، وغشوة بالفتح والرفع والنصب، وغشاوة بالعين غير المعجمة والرفع من الغشا، والغشاوة هي الغطاء، ومنه الغاشية، ومنه غشي عليه إذا زال عقله والغشيان كناية عن الجماع.
المسألة الحادية عشرة : العذاب مثل النكال بناء ومعنى، لأنك تقول أعذب عن الشيء إذا أمسك عنه، كما تقول نكل عنه، ومنه العذب، لأنه يقمع العطش ويردعه بخلاف الملح فإنه يزيده، ويدل عليه تسميتهم إياه نقاخاً، لأنه ينقخ العطش أي يكسره، وقراتاً لأنه برقته عن القلب، ثم اتسع فيه فسمي كل ألم فادح عذاباً وإن لم يكن نكالاً أي عقاباً يرتدع به الجاني عن المعاودة، والفرق بين العظيم الكبير : أن العظيم نقيض الحقير، والكبير نقيض الصغير، فكأن العظيم فوق الكبير، كما أن الحقير دون الصغير، ويستعملان في الجثث والأحداث جميعاً، تقول : رجل عظيم وكبير تريدجئته أو خطره، ومعنى التنكير أن على أبصارهم نوعاً من الأغطية غير ما يتعارفه الناس، وهو غطاء التعامي عن آيات الله، ولهم من بين الآلام العظام نوع عظيم لا يعلم كنهه إلا الله تعالى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩١