والجواب : عن تمسكهم بالآية أنا بينا أن هذه الآية حجة لنا، فإنه لما قيد المسكين المذكور ههنا بكونه ذا متربة دل ذلك على أنه قد يوجد مسكين لا بهذه الصفة وإلا لم يبق لهذا القيد فائدة قوله : أنه صرف الطعام الواجب في الكفارات إليه، قلنا : نعم إنه أوجب صرفه إلى المسكين المقيد بقيد كونه ذا متربة، وهذا لا يدل على أنه أوجب الصرف إلى مطلق المسكين.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩
والجواب عن استدلالهم ببيت الراعي أنه ذكر أن هذا الذي هو الآن موصوف بكونه فقيراً فقد كانت له حلوبه ثم السيد لم يترك له شيئاً، فلم لا يجوز أن يقال كانت له حلوبة ثم لما لم يترك له شيء وصف بكونه فقيراً ؟
والجواب عن قولهم : المسكين هو الذي يسكن حيث يحضر لأجل أنه ليس له بيت.
قلنا : بل المسكين هو الطواف على الناس الذي يكثر إقدامه على السؤال، وسمي مسكيناً إما لسكونه عندما ينتهرونه ويردونه، وإما لسكون قلبه بسبب علمه أن الناس لا يضيعونه مع كثرة سؤاله إياهم، وأما الروايات التي ذكروها عن أبي عمرو ويونس فهذا معارض بقول الشافعي وابن الأنباري رحمهما الله، وأيضاً نقل القفال في "تفسيره" عن جابر بن عبد الله أنه قال : الفقراء فقراء المهاجرين، والمساكين الذين لم يهاجروا، وعن الحسن الفقير الجالس في بيته، والمسكين الذي يسعى وعن مجاهد الفقير الذي لا يسأل، والمسكين الذي يسأل، وعن الزهري الفقراء هم المتعففون الذين لا يخرجون، والمساكين الذين يسألون، قال مولانا الداعي إلى الله : هذه الأقوال كلها متوافقة على أن الفقير لا يسأل، والمسكين يسأل، ومن سأل وجد، فكان المسكين أسهل وأقل حاجة.
الصنف الثالث : قوله تعالى :﴿وَالْعَـامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ وهم السعاة لجباية الصدقة، وهؤلاء يعطون من الصدقات بقدر أجور أعمالهم، وهو قول الشافعي رحمه الله، وقول عبد الله بن عمر وابن زيد، وقال مجاهد والضحاك : يعطون الثمن من الصدقات، وظاهر اللفظ مع مجاهد إلا أن الشافعي رحمه الله يقول هذا أجرة العمل فيتقدر بقدر العمل، والصحيح أن مولى الهاشمي والمطلبي لا يجوز أن يكون عاملاً على الصدقات ليناله منها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبى أن يبعث أبا رافع عاملاً على / الصدقات، وقال : أما علمت أن مولى القوم منهم. وإنما قال :﴿وَالْعَـامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ لأن كلمة على تفيد الولاية كما يقال فلان على بلد كذا إذا كان والياً عليه.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩


الصفحة التالية
Icon