الصنف الرابع : قوله تعالى :﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ قال ابن عباس : هم قوم أشراف من الأحياء أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوم حنين وكانوا خمسة عشر رجلاً، أبو سفيان، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وحويطب بن عبد العزى، وسهل بن عمرو من بني عامر، والحرث بن هشام، وسهيل بن عمرو الجهني، وأبو السنابل، وحكيم بن حزام. ومالك بن عوف، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع، والجد بن قيس، وعمرو بن مرداس. والعلاء بن الحرث أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلّم كل رجل منهم مائة من الإبل ورغبهم في الإسلام، إلا عبد الرحمن بن يربوع أعطاه خمسين من الإبل وأعطى حكيم بن حزام سبعين من الإبل، فقال : يا رسول الله ما كنت أرى أن أحداً من الناس أحق بعطائك مني فزاده عشرة، ثم سأله فزاده عشرة، وهكذا حتى بلغ مائة، ثم قال حكيم : يا رسول الله أعطيتك الأولى التي رغبت عنها خير أم هذه التي قنعت بها ؟
فقال عليه الصلاة والسلام :"بل التي رغبت عنها" فقال : والله لا آخذ غيرها : فقيل مات حكيم وهو أكثر قريش مالاً وشق على رسول الله صلى الله عليه وسلّم تلك العطايا لكن ألفهم بذلك. قال المصنف رحمه الله : هذه العطايا إنما كانت يوم حنين ولا تعلق لها بالصدقات، ولا أدري لأي سبب ذكر ابن عباس رضي الله عنهما هذه القصة في تفسير هذه الآية، ولعل المراد بيان أنه لا يمتنع في الجملة صرف الأموال إلى المؤلفة، فأما أن يجعل ذلك تفسيراً لصرف الزكاة إليهم فلا يليق بابن عباس، ونقل القفال أن أبا بكر رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم لما جاءه بصدقاته وصدقات قومه أيام الردة، وقال المقصود أن يستعين الإمام بهم على استخراج الصدقات من الملاك. قال الواحدي : إن الله تعالى أغنى المسلمين عن تألف قلوب المشركين، فإن رأى الإمام أن يؤلف قلوب قوم لبعض المصالح التي يعود نفعها على المسلمين إذا كانوا مسلمين جاز إذ لا يجوز صرف شيء من زكوات الأموال إلى المشركين، فأما المؤلفة من المشركين فإنما يعطون من مال الفيء لا من الصدقات وأقول إن قول الواحدي إن الله أغنى المسلمين عن تألف قلوب المشركين بناء على أنه ربما يوهم أنه عليه الصلاة والسلام دفع قسماً من الزكاة إليهم لكنا بينا أن هذا لم يحصل البتة، وأيضاً فليس في الآية ما يدل على كون المؤلفة مشركين بل قال :﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ وهذا عام في المسلم وغيره، والصحيح أن هذا الحكم غير منسوخ وأن للإمام أن يتألف قوماً على هذا الوصف ويدفع إليهم سهم المؤلفة لأنه (لا) دليل على نسخه البتة.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩
الصنف الخامس : قوله :﴿وَفِى الرِّقَابِ﴾ قال الزجاج : وفيه محذوف، والتقدير : وفي فك الرقاب وقد مضى الاستقصاء في "تفسيره" في سورة البقرة في قوله :﴿وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ (البقرة : ١٧٧) ثم في تفسير الرقاب أقوال :
القول الأول : إن سهم الرقاب موضوع في المكاتبين ليعتقوا به، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، والليث بن سعد، واحتجوا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قوله :﴿وَفِى الرِّقَابِ﴾ يريد المكاتب وتأكد هذا بقوله تعالى :﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى ﴾ (النور : ٣٣).
والقول الثاني : وهو مذهب مالك وأحمد وإسحق أنه موضوع لعتق الرقاب يشتري به عبيد فيعتقون.
والقول الثالث : قول أبي حنيفة وأصحابه وقول سعيد بن جبير والنخعي، أنه لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة ولكنه يعطي منها في رقبة ويما بها مكاتب لأن قوله :﴿وَفِى الرِّقَابِ﴾ يقتضي أن يكون له فيه مدخل وذلك ينافي كونه تاماً فيه.
والقول الرابع : قول الزهري : قال سهم الرقاب نصفان، نصف للمكاتبين من المسلمين، ونصف يشتري به رقاب ممن صلوا وصاموا، وقدم إسلامهم فيعتقون من الزكاة، قال أصحابنا : والاحتياط في سهم الرقاب دفعه إلى السيد بإذن المكاتب، والدليل عليه أنه تعالى أثبت الصدقات للأصناف الأربعة الذين تقدم ذكرهم بلام التمليك وهو قوله :﴿إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلْفُقَرَآءِ﴾ ولما ذكر الرقاب أبدل حرف اللام بحرف في فقال :﴿وَفِى الرِّقَابِ﴾ فلا بد لهذا الفرق من فائدة، وتلك الفائدة هي أن تلك الأصناف الأربعة المتقدمة يدفع إليهم نصيبهم من الصدقات حتى يتصرفوا فيها كما شاؤوا وأما ﴿وَفِى الرِّقَابِ﴾ فيوضع نصيبهم في تخليص رقبتهم عن الرق، ولا يدفع إليهم ولا يمكنوا من التصرف في ذلك النصيب كيف شاؤوا، بل يوضع في الرقاب بأن يؤدي عنهم، وكذا القول في الغارمين يصرف المال في قضاء ديونهم، وفي الغزاة يصرف المال إلى إعداد ما يحتاجون إليه في الغزو وابن السبيل كذلك. والحاصل : أن في الأصناف الأربعة الأول، يصرف المال إليهم حتى يتصرفوا فيه كما شاؤوا، وفي الأربعة الأخيرة لا يصرف المال إليهم، بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا سهم الزكاة.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩


الصفحة التالية
Icon