الصنف السادس : قوله تعالى :﴿وَالْغَـارِمِينَ﴾ قال الزجاج : أصل الغرم في اللغة لزوم ما يشق والغرام العذاب اللازم، وسمي العشق غراماً لكونه أمراً شاقاً ولازماً، ومنه : فلان مغرم بالنساء إذا كان مولعاً بهن، وسمي الدين غراماً لكونه شاقاً على الإنسان ولازماً له، فالمراد بالغارمين المديونون، ونقول : الدين إن حصل بسبب معصية لا يدخل في الآية، لأن المقصود من صرف / المال المذكور في الآية الإعانة، والمعصية لا تستوجب الإعانة، وإن حصل لا بسبب معصية فهو قسمان : دين حصل بسبب نفقات ضرورية أو في مصلحة، ودين حصل بسبب حمالات وإصلاح ذات بين، والكل داخل في الآية، وروى الأصم في "تفسيره" أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما قضى بالغرة في الجنين، قال العاقلة : لا نملك الغرة يا رسول الله قال لحمد بن مالك بن النابغة :"أعنهم بغرة من صدقاتهم" وكان حمد على الصدقة يومئذ.
الصنف السابع : قوله تعالى :﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قال المفسرون : يعني الغزاة. قال الشافعي رحمه الله : يجوز له أن يأخذ من مال الزكاة وإن كان غنياً وهو مذهب مالك وإسحق وأبي عبيد. وقال أبو حنيفة وصاحباه رحمهم الله : لا يعطى الغازي إلا إذا كان محتاجاً.
واعلم أن ظاهر اللفظ في قوله :﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لا يوجب القصر على كل الغزاة، فلهذا المعنى نقل القفال في "تفسيره" عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد، لأن قوله :﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ عام في الكل.
والصنف الثامن : ابن السبيل قال الشافعي رحمه الله : ابن السبيل المستحق للصدقة وهو الذي يريد السفر في غير معصية فيعجز عن بلوغ سفره إلا بمعونة. قال الأصحاب : ومن أنشأ السفر من بلده لحاجة، جاز أن يدفع إليه سهم ابن السبيل، فهذا هو الكلام في شرح هذه الأصناف الثمانية.
المسألة الخامسة : في أحكام هذه الأقسام.
الحكم الأول
اتفقوا على أن قوله :﴿إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ﴾ دخل فيه الزكاة الواجبة، لأن الزكاة الواجبة مسماة بالصدقة، قال تعالى :﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ (التوبة : ١٠٣) وقال عليه الصلاة والسلام :"ليس فيما دون خمسة ذود وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" واختلفوا في أنه هل تدخل فيها الصدقة المندوبة فمنهم من قال : تدخل فيها لأن لفظ الصدقة مختص بالمندوبة فإذا أدخلنا فيه الزكاة الواجبة فلا أقل من أن تدخل فيه أيضاً الصدقة المندوبة وتكون الفائدة أن مصارف جميع الصدقات ليس إلا هؤلاء، والأقرب أن المراد من لفظ الصدقات ههنا هو الزكوات الواجبة ويدل عليه وجوه : الأول : أنه تعالى أثبت هذه الصدقات بلام التمليك للأصناف الثمانية، والصدقة المملوكة لهم ليست إلا الزكاة الواجبة، الثاني : أن ظاهر هذه الآية يدل على أن مصرف الصدقات ليس إلا لهؤلاء الثمانية، وهذا الحصر إنما يصح لو حملنا هذه الصدقات على الزكوات الواجبة، أما لو أدخلنا فيها المندوبات لم يصح هذا الحصر، لأن الصدقات المندوبة يجوز صرفها إلى بناء المساجد، والرباطات، والمدارس، وتكفين / الموتى وتجهيزهم وسائر الوجوه. الثالث : أن قوله تعالى :﴿إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلْفُقَرَآءِ﴾ إنما يحسن ذكره لوكان قد سبق بيان تلك الصدقات وأقسامها حتى ينصرف هذا الكلام إليه، والصدقات التي سبق بيانها وتفصيلها هي الصدقات الواجبة فوجب انصراف هذا الكلام إليها.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩
الحكم الثاني
دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة يتولى أخدها وتفرقتها الإمام ومن يلي من قبله/ والدليل عليه أن الله تعالى جعل للعاملين سهماً فيها، وذلك يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات، فدل هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات، وتأكد هذا النص بقوله تعالى :﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ فالقول بأن المالك يجوز له إخراج زكاة الأموال الباطنة بنفسه إنما يعرف بدليل آخر، ويمكن أن يتمسك في إثباته بقوله تعالى :﴿وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّآاـاِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ فإذا كان ذلك الحق حقاً للسائل والمحروم وجب أن يجوز له دفعه إليه ابتداء.
الحكم الثالث
نص القرآن يدل على أن العامل له في مال الزكاة حق، واختلفوا في أن الإمام هل له فيه حق ؟
فمنهم من أثبته قال : لأن العامل إنما قدر على ذلك العمل بتقويته وإمارته، فالعامل في الحقيقة هو الإمام، ومنهم من منعه وقال : الآية دلت على حصر مال الزكاة في هؤلاء الثمانية، والإمام خارج عنهم فلا يصرف هذا المال إليه.
الحكم الرابع