القول الأول : أن يكون التقدير : خذ يا محمد من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم.
القول الثاني : أن يكون تطهرهم معلقاً بالصدقة، والتقدير : خذ من أموالهم صدقة مطهرة، وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة أوساخ الناس، فإذا أخذت الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخ فكان اندفاعها جارياً مجرى التطهير، والله أعلم.
إن على هذا القول وجب أن نقول : إن قوله :﴿وَتُزَكِّيهِم﴾ يكون منقطعاً عن الأول، ويكون التقدير ﴿خُذْ﴾ يا محمد ﴿مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ تلك الصدقة، وتزكيهم أنت بها.
القول الثالث : أن يجعل التاء في ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم﴾ ضمير المخاطب، ويكون المعنى : تطهرهم أنت أيها الآخذ بأخذها منهم وتزكيهم بواسطة تلك الصدقة.
المسألة الرابعة : قال صاحب "الكشاف" : قرىء ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ من أطهره بمعنى طهره بالجزم جواباً للأمر، ولم يقرأ ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم﴾ إلا بإثبات الياء.
ثم قال تعالى :﴿وَتُزَكِّيهِم﴾ واعلم أن التزكية لما كانت معطوفة على التطهير وجب حصول المغايرة، فقيل : التزكية مبالغة في التطهير، وقيل : التزكية بمعنى الإنماء، والمعنى : أنه تعالى يجعل / النقصان الحاصل بسبب إخراج قدر الزكاة سبباً للإنماء، وقيل : الصدقة تطهرهم عن نجاسة الذنب والمعصية، والرسول عليه السلام يزكيهم ويعظم شأنهم ويثني عليهم عند إخراجها إلى الفقراء.
ثم قال تعالى :﴿وَصَلِّ عَلَيْهِم إِنَّ صَلَواتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ﴿ءَانٍ﴾ بغير واو وفتح التاء على التوحيد، والمراد منه الجنس، وكذلك في سورة هود ﴿أَصَلَواتُكَ تَأْمُرُكَ﴾ بغير واو وعلى التوحيد، والباقون ﴿صَلَواتَكَ﴾ وكذلك في هود على الجمع، قال أبو عبيدة : والقراءة الأولى أولى لأن الصلاة أكثر. ألا ترى أنه قال :﴿وَأَنْ أَقِيمُوا ﴾ والصلوات جمع قلة، تقول ثلاث صلوات وخمس صلوات، قال أبو حاتم : هذا غلط لأن بناء الصلوات ليس للقلة لأنه تعالى قال :﴿مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّه ﴾ (لقمان : ٢٧) ولم يرد القليل وقال :﴿وَهُمْ فِى الْغُرُفَـاتِ ءَامِنُونَ﴾ (سبأ : ٣٧) وقال :﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ﴾ (الأحزاب : ٣٥).
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٣٩
المسألة الثانية : احتج مانعو الزكاة في زمان أبي بكر بهذه الآية، وقالوا إنه تعالى أمر رسوله بأخذ الصدقات، ثم أمره بأن يصلي عليهم وذكر أن صلاته سكن لهم، فكان وجوب الزكاة مشروطاً بحصول ذلك السكن/ ومعلوم أن غير الرسول لا يقوم مقامه في حصول ذلك السكن. فوجب أن لا يجب دفع الزكاة إلى أحد غير الرسول عليه الصلاة والسلام، واعلم أنه ضعيف لأن سائر الآيات دلت على أن الزكاة إنما وجبت دفعاً لحاجة الفقير كما في قوله :﴿إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلْفُقَرَآءِ﴾ (التوبة : ٦٠) وكما في قوله :﴿وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّآاـاِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات : ١٩).
المسألة الثالثة : لا شك أن الصلاة في أصل اللغة عبارة عن الدعاء، فإذا قلنا صلى فلان على فلان، أفاد الدعاء بحسب اللغة الأصلية. إلا أنه صار بحسب العرف يفيد أنه قال له اللهم صل عليه، فلهذا السبب اختلف المفسرون، فنقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : معناه ادع لهم، قال الشافعي رحمه الله : والسنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق ويقول : آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت، وقال آخرون : معناه أن يقول اللهم صل على فلان، ونقلوا عن النبي عليه الصلاة والسلام، أن آل أبي أوفى لما أتوه بالصدقة قال :"اللهم صل على آل أبي أوفى" ونقل القاضي في "تفسيره" عن الكعبي في "تفسيره" أنه قال علي لعمر وهو مسجى عليك الصلاة والسلام، ومن الناس من أنكر ذلك، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لا تنبغي الصلاة من أحد على أحد إلا في حق النبي عليه الصلاة والسلام.
المسألة الرابعة : أن أصحابنا يمنعون من ذكر صلوات الله عليه وعليه الصلاة والسلام إلا في حق الرسول، والشيعة يذكرونه في علي وأولاده، واحتجوا عليه بأن نص القرآن دل على أن / هذا الذكر جائز في حق من يؤدي الزكاة، فكيف يمنع ذكره في حق علي والحسن والحسين رضي الله عنهم ؟
ورأيت بعضهم قال : أليس أن الرجل إذا قال سلام عليكم يقال له وعليكم السلام ؟
فدل هذا على أن ذكر هذا اللفظ جائز في حق جمهور المسلمين، فكيف يمتنع ذكره في حق آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
قال القاضي : إنه جائز في حق الرسول عليه الصلاة والسلام، والدليل عليه أنهم قالوا : يا رسول الله قد عرفنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك ؟
فقال على وجه التعليم قولوا :"اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" ومعلوم أنه ليس في آل محمد نبي، فيتناول علياً ذلك كما يجوز مثله في آل إبراهيم. والله أعلم.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٣٩