المسألة الأولى : أنه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين في كل وقت، وذلك يمنع من إطباق الكل على الباطل، ومتى امتنع إطباق الكل على الباطل، وجب إذا أطبقوا على شيء أن يكونوا محقين. فهذا يدل على أن إجماع الأمة حجة.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : المراد بقوله :﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّـادِقِينَ﴾ أي كونوا على طريقة الصادقين، كما أن الرجل إذا قال لولده : كن مع الصالحين، لا يفيد إلا ذلك سلمنا ذلك، لكن نقول : إن هذا الأمر كان موجوداً في زمان الرسول فقط، فكان هذا أمراً بالكون مع الرسول، فلا يدل على وجود صادق في سائر الأزمنة سلمنا ذلك، لكن لم لا يجوز أن يكون الصادق هو المعصوم الذي يمتنع خلو زمان التكليف عنه كما تقوله الشيعة ؟
والجواب عن الأول : أن قوله :﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّـادِقِينَ﴾ أمر بموافقة الصادقين، ونهى عن مفارقتهم، وذلك مشروط بوجود الصادقين وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فدلت هذه / الآية على وجود الصادقين. وقوله : إنه محمول على أن يكونوا على طريقة الصادقين. فنقول : إنه عدول عن الظاهر من غير دليل. قوله : هذا الأمر مختص بزمان الرسول عليه الصلاة والسلام.
قلنا : هذا باطل لوجوه : الأول : أنه ثبت بالتواتر الظاهر من دين محمد عليه الصلاة والسلام أن التكاليف المذكورة في القرآن متوجهة على المكلفين إلى قيام القيامة، فكان الأمر في هذا التكليف كذلك. والثاني : أن الصيغة تتناول الأوقات كلها بدليل صحة الاستثناء. والثالث : لما لم يكن الوقت المعين مذكوراً في لفظ الآية لم يكن حمل الآية على البعض أولى من حمله على الباقي، فأما أن لا يحمل على شيء من الأوقات فيفضي إلى التعطيل وهو باطل، أو على الكل وهو المطلوب، والرابع : وهو أن قوله :﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ﴾ أمر لهم بالتقوى، وهذا الأمر إنما يتناول من يصح منه أن لا يكون متقياً، وإنما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ، فكانت الآية دالة على أن من كان جائز الخطأ وجب كونه مقتدياً بمن كان واجب العصمة، وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين، فهذا يدل على أنه واجب على جائز الخطأ كونه مع المعصوم عن الخطأ حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعاً لجائز الخطأ عن الخطأ، وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان، فوجب حصوله في كل الأزمان. قوله : لم لا يجوز أن يكون المراد هو كون المؤمن مع المعصوم الموجود في كل زمان ؟
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٦٨
قلنا : نحن نعترف بأنه لا بد من معصوم في كل زمان، إلا أنا نقول : ذلك المعصوم هو مجموع الأمة، وأنتم تقولون : ذلك المعصوم واحد منهم، فنقول : هذا الثاني باطل، لأنه تعالى أوجب على كل واحد من المؤمنين أن يكون مع الصادقين، وإنما يمكنه ذلك لو كان عالماً بأن ذلك الصادق من هو لا الجاهل بأنه من هو، فلو كان مأموراً بالكون معه كان ذلك تكليف ما لا يطاق، وأنه لا يجوز، لكنا لا نعلم إنساناً معيناً موصوفاً بوصف العصمة، والعلم بأنا لا نعلم هذا الإنسان حاصل بالضرورة/ فثبت أن قوله :﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّـادِقِينَ﴾ ليس أمراً بالكون مع شخص معين، ولما بطل هذا بقي أن المراد منه الكون مع مجموع الأمة، وذلك يدل على أن قول مجموع الأمة حق وصواب ولا معنى لقولنا الإجماع إلا ذلك.


الصفحة التالية
Icon