الجواب قال مجاهد : هم الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا. وقال قتادة ومقاتل :﴿الاشْهَـادُ﴾ الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد، يعني على رؤوس الناس. وقال الآخرون : هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى :﴿فَلَنَسْـاَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـاَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الأعراف : ٦) والفائدة في اعتبار قول الأشهاد المبالغة في إظهار الفضيحة.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٣٢
السؤال الثالث : الأشهاد جمع فما واحده ؟
والجواب : يجوز أن يكون جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب، وناصر وأنصار، ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف وأشراف. قال أبو علي الفارسي : وهذا كأنه أرجح، لأن ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل، كقوله :﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ (البقرة : ١٤٣) ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـا ؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ (النساء : ٤١) ثم لما أخبر عن حالهم في عذاب القيامة أخبر عن حالهم في الحال فقال :﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ﴾ وبين أنهم في الحال لملعونون من عند الله، ثم ذكر من صفاتهم أنهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً يعني أنهم كما ظلموا أنفسهم بالتزام الكفر والضلال، فقد أضافوا إليه المنع من الدين الحق وإلقاء الشبهات، وتعويج الدلائل المستقيمة، لأنه لا يقال في العاصي يبغي / عوجاً، وإنما يقال ذلك فيمن يعرف كيفية الاستقامة، وكيفية العوج بسبب إلقاء الشبهات وتقرير الضلالات.
ثم قال :﴿وَهُم بِالاخِرَةِ هُمْ كَـافِرُونَ﴾ قال الزجاج : كلمة "هم" كررت على جهة التوكيد لثبتهم في الكفر.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٣٢
٣٣٥
اعلم أن الله تعالى وصف هؤلاء المنكرين الجاحدين بصفات كثيرة في معرض الذم.
الصفة الأولى : كونهم مفترين على الله، وهي قوله :﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ (الأنعام : ٩٣).
والصفة الثانية : أنهم يعرضون على الله في موقف الذل والهوان والخزي والنكال وهي قوله :﴿ أولئك يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ (هود : ١٨).
والصفة الثالثة : حصول الخزي والنكال والفضيحة العظيمة وهي قوله :﴿وَيَقُولُ الاشْهَـادُ هَـا ؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ (هود : ١٨).
والصفة الرابعة : كونهم ملعونين من عند الله، وهي قوله :﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـالِمِينَ﴾ (هود : ١٨).
والصفة الخامسة : كونهم صادين عن سبيل الله مانعين عن متابعة الحق، وهي قوله :﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (الأعراف : ٤٥).
والصفة السادسة : سعيهم في إلقاء الشبهات، وتعويج الدلائل المستقيمة، وهي قوله :﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ (الأعراف : ٤٥).
والصفة السابعة : كونهم كافرين، وهي قوله :﴿وَهُم بِالاخِرَةِ هُمْ كَـافِرُونَ﴾ (هود : ١٩).
والصفة الثامنة : كونهم عاجزين عن الفرار من عذاب الله، وهي قوله :﴿ أولئك لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِى الارْضِ﴾ قال الواحدي : معنى الإعجاز المنع من تحصيل المراد. يقال أعجزني فلان أي منعني عن مرادي، ومعنى معجزين في الأرض أي لا يمكنهم أن يهربوا من عذابنا فإن هرب العبد من عذاب الله محال، لأنه سبحانه وتعالى قادر على جميع الممكنات، ولا تتفاوت قدرته بالبعد والقرب والقوة والضعف.
والصفة التاسعة : أنهم ليس لهم أولياء يدفعون عذاب الله عنهم، والمراد منه الرد عليهم في وصفهم الأصنام بأنها شفعاؤهم عند الله والمقصود أن قوله :﴿ أولئك لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِى الارْضِ﴾ دل على أنهم لا قدرة لهم على الفرار وقوله :﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ﴾ هو أن أحداً لا يقدر على تخليصهم من ذلك العذاب، فجمع تعالى بين ما يرجع إليهم وبين ما يرجع إلى غيرهم وبين بذلك انقطاع حيلهم في الخلاص من عذاب الدنيا والآخرة، ثم اختلفوا فقال قوم المراد إن عدم نزول العذاب ليس لأجل أنهم قدروا على منع الله من إنزال العذاب ولا لأجل أن لهم ناصراً يمنع ذلك العذاب عنهم، بل إنما حصل ذلك الإمهال لأنه تعالى أمهلهم كي يتوبوا فيزولوا عن كفرهم فإذا أبوا إلا الثبات عليه فلا بد من مضاعفة العذاب في الآخرة، وقال بعضهم : بل المراد أن يكونوا معجزين لله عما يريد إنزاله عليهم من العذاب في الآخرة أو في الدنيا ولا يجدون ولياً ينصرهم ويدفع ذلك عنهم.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٣٥
والصفة العاشرة : قوله تعالى :﴿يُضَـاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ﴾ قيل سبب تضعيف العذاب في حقهم أنهم كفروا بالله وبالبعث وبالنشور، فكفرهم بالمبدأ والمعاد صار سبباً لتضعيف العذاب، والأصوب أن يقال إنهم مع ضلالهم الشديد، سعوا في الإضلال ومنع الناس عن الدين الحق، فلهذا المعنى حصل هذا التضعيف عليهم.


الصفحة التالية
Icon