أما قوله :﴿يَـاوَيْلَتَى ا ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـاذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو آلد بهمزة ومدة، والباقون بهمزتين بلا مد.
المسألة الثانية : لقائل أن يقول إنها تعجبت من قدرة الله تعالى والتعجب من قدرة الله تعالى يوجب الكفر، بيان المقدمة الأولى من ثلاثة أوجه : أولها : قوله تعالى حكاية عنها في معرض التعجب ﴿وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَـاذَا﴾ وثانيها : قوله :﴿إِنَّ هَـاذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ﴾ وثالثها : قول الملائكة لها ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّه ﴾ وأما بيان أن التعجب من قدرة الله تعالى يوجب الكفر، فلأن هذا التعجيب يدل على جهلها بقدرة الله تعالى، وذلك يوجب الكفر.
والجواب : أنها إنما تعجبت بحسب العرف والعادة لا بحسب القدرة فإن الرجل المسلم لو أخبره / مخبر صادق بأن الله تعالى يقلب هذا الجبل ذهباً إبريزاً فلا شك أنه يتعجب نظراً إلى أحوال العادة لا لأجل أنه استنكر قدرة الله تعالى على ذلك.
المسألة الثالثة : قوله :﴿وَهَـاذَا بَعْلِى شَيْخًا ﴾ فاعلم أن شيخاً منصوب على الحال، قال الواحدي رحمه الله : وهذا من لطائف النحو وغامضه فإن كلمة هذا للإشارة، فكان قوله :﴿وَهَـاذَا بَعْلِى شَيْخًا ﴾ قائم مقام أن يقال أشير إلى بعلي حال كونه شيخاً، والمقصود تعريف هذه الحالة المخصوصة وهي الشيخوخة.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٦
المسألة الرابعة : قرأ بعضهم ﴿وَهَـاذَا بَعْلِى شَيْخًا ﴾ على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذا بعلي وهو شيخ، أو بعلي بدل من المبتدأ وشيخ خبر أو يكونان معاً خبرين، ثم حكى تعالى أن الملائكة قالوا :﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّه ﴾ والمعنى : أنهم تعجبوا من تعجبها، ثم قالوا :﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّه رَحْمَتُ﴾ والمقصود من هذا الكلام ذكر ما يزيل ذلك التعجب وتقديره : إن رحمة الله عليكم متكاثرة وبركاته لديكم متوالية متعاقبة، وهي النبوة والمعجزات القاهرة والتوفيق للخيرات العظيمة فإذا رأيت أن الله خرق العادات في تخصيصكم بهذه الكرامات العالية الرفيعة وفي إظهار خوارق العادات وإحداث البينات والمعجزات، فكيف يليق به التعجب.
وأما قوله :﴿أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ فإنه مدح لهم فهو نصب على النداء أو على الاختصاص، ثم أكدوا ذلك بقولهم :﴿إِنَّه حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾ والحميد هو المحمود وهو الذي تحمد أفعاله، والمجيد الماجد، وهو ذو الشرف والكرم، ومن محامد الأفعال إيصال العبد المطيع إلى مراده ومطلوبه، ومن أنواع الفضل والكرم أن لا يمنع الطالب عن مطلوبه، فإذا كان من المعلوم أنه تعالى قادر على الكل وأنه حميد مجيد/ فكيف يبقى هذا التعجب في نفس الأمر فثبت أن المقصود من ذكر هذه الكلمات إزالة التعجب.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٦
٣٧٧
اعلم أن هذا هو القصة الخامسة وهي قصة لوط عليه السلام، واعلم أن الروع هو الخوف / وهو ما أوجس من الخيفة حين أنكر أضيافه والمعنى : أنه لما زال الخوف وحصل السرور بسبب مجيء البشرى بحصول الولد، أخذ يجادلنا في قوم لوط وجواب لما هو قوله :﴿أَخْذُ﴾ إلا أنه حذف في اللفظ لدلالة الكلام عليه، وقيل تقديره : لما ذهب عن إبراهيم الروع جادلنا.
واعلم أن قوله :﴿يُجَـادِلُنَا﴾ أي يجادل رسلنا.
فإن قيل : هذه المجادلة إن كانت مع الله تعالى فهي جراءة على الله، والجراءة على الله تعالى من أعظم الذنوب، ولأن المقصود من هذه المجادلة إزالة ذلك الحكم وذلك يدل على أنه ما كان راضياً بقضاء الله تعالى وأنه كفر وإن كانت هذه المجادلة مع الملائكة فهي أيضاً عجيبة، لأن المقصود من هذه المجادلة أن يتركوا إهلاك قوم لوط، فإن كان قد اعتقد فيهم أنهم من تلقاء أنفسهم يجادلون في هذا الإهلاك فهذا سوء ظن بهم. وإن اعتقد فيهم أنهم بأمر الله جاؤا فهذه المجادلة تقتضي أنه كان يطلب منهم مخالفة أمر الله تعالى وهذا منكر.
والجواب : من وجهين :
الوجه الأول : وهو الجواب الإجمالي أنه تعالى مدحه عقيب هذه الآية فقال :﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾ ولو كان هذا الجدل من الذنوب لما ذكر عقيبه ما يدل على المدح العظيم.
والوجه الثاني : وهو الجواب التفصيلي أن المراد من هذه المجادلة سعي إبراهيم في تأخير العذاب عنهم وتقريره من وجوه :


الصفحة التالية
Icon