اللفظ الثاني : قوله :﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ قال الأزهري : الذرع يوضع موضع الطاقة والأصل فيه البعير يذرع بيديه في سيره ذرعاً على قدر سعة خطوته، فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك فضعف ومد عنقه، فجعل ضيق الذرع عبارة عن قدر الوسع والطاقة. فيقال : مالي به ذرع ولا ذراع أي مالي به طاقة، والدليل على صحة ما قلناه أنهم يجعلون الذراع في موضع الذرع فيقولون ضقت بالأمر ذراعاً.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٨
واللفظ الثالث : قوله :﴿هَـاذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ أي يوم شديد، وإنما قيل للشديد عصيب لأنه يعصب الإنسان بالشر.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٧٨
٣٨٠
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه لما دخلت الملائكة دار لوط عليه السلام مضت امرأته عجوز السوء فقالت لقومه دخل دارنا قوم ما رأيت أحسن وجوهاً ولا أنظف ثياباً ولا أطيب رائحة منهم ﴿وَجَآءَه قَوْمُه يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ أي يسرعون، وبين تعالى أن إسراعهم ربما كان لطلب العمل الخبيث بقوله :﴿وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّـاَاتِ ﴾ نقل أن القوم دخلوا دار لوط وأرادوا أن يدخلوا البيت الذي كان فيه جبريل عليه السلام، فوضع جبريل عليه السلام يده على الباب، فلم يطيقوا فتحه حتى كسروه، فمسح أعينهم بيده فعموا، فقالوا : يا لوط قد أدخلت علينا السحرة وأظهرت الفتنة. ولأهل اللغة في ﴿يُهْرَعُونَ﴾ قولان :
القول الأول : أن هذا من باب ما جاءت صيغة الفاعل فيه على لفظ المفعول ولا يعرف له فاعل نحو : أولع فلان في الأمر، وأرعد زيد، وزهى عمرو من الزهو.
والقول الثاني : أنه لا يجوز ورود الفاعل على لفظ المفعول، وهذه الأفعال حذف فاعلوها فتأويل أولع زيد أنه أولعه طبعه وأرعد الرجل أرعده غضبه وزهى عمرو معناه جعله ماله زاهياً وأهرع معناه أهرعه خوفه أو حرصه، واختلفوا أيضاً فقال بعضهم : الإهراع هو الإسراع مع الرعدة. وقال آخرون : هو العدو الشديد.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٨٠
أما قوله تعالى :﴿قَالَ يَـاقَوْمِ هَـا ؤُلاءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ ففيه قولان : قال قتادة : المراد بناته لصلبه. وقال مجاهد وسعيد بن جبير : المراد نساء أمته ؛ لأنهن في أنفسهن بنات ولهن إضافة إليه بالمتابعة وقبول الدعوة. قال أهل النحو : يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب، لأنه كان نبياً لهم فكان كالأب لهم. قال تعالى :﴿وَأَزْوَاجُه ا أُمَّهَـاتُهُمْ ﴾ (الأحزاب : ٦) وهو أب لهم وهذا القول عندي هو المختار، ويدل عليه وجوه : الأول : أن إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش والفجار أمر متبعد لا يليق بأهل المروءة فكيف بأكابر الأنبياء ؟
الثاني : وهو أنه قال :﴿هَـا ؤُلاءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ فبناته اللواتي من / صلبه لا تكفي للجمع العظيم. أما نساء أمته ففيهن كفاية للكل. الثالث : أنه صحت الرواية أنه كان له بنتان، وهما : زنتا، وزعوراً، وإطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز لما ثبت أن أقل الجمع ثلاثة، فأما القائلون بالقول الأول فقد اتفقوا على أنه عليه السلام ما دعا القوم إلى لزنا بالنسوان بل المراد أنه دعاهم إلى التزوج بهن، وفيه قولان : أحدهما : أنه دعاهم إلى التزوج بهن بشرط أن يقدموا الإيمان. والثاني : أنه كان يجوز تزويج المؤمنة من الكافر في شريعته، وهكذا كان في أول الإسلام بدليل أنه عليه السلام زوج ابنته زينب من أبي العاص بن الربيع وكان مشركاً وزوج ابنته من عتبة بن أبي لهب ثم نسخ ذلك بقوله :﴿وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَـاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ (البقرة : ٢٢١) وبقوله :﴿وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ﴾ (البقرة : ٢٢١) واختلفوا أيضاً، فقال الأكثرون : كان له بنتان، وعلى هذا التقدير ذكر الاثنتين بلفظ الجمع، كما في قوله :﴿فَإِن كَانَ لَه ا إِخْوَةٌ﴾ (النساء : ٢١) ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ (التحريم : ٤) وقيل : إنهن كن أكثر من اثنتين.
أما قوله تعالى :﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : ظاهر قوله :﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ يقتضي كون العمل الذي يطلبونه طاهراً ومعلوم أنه فاسد ولأنه لا طهارة في نكاح الرجل، بل هذا جار مجرى قولنا : الله أكبر، والمراد أنه كبير ولقوله تعالى :﴿أَذَالِكَ خَيْرٌ نُّزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ (الصافات : ٦٢) ولاخير فيها ولما قال أبو سفيان : اعل أحداً واعل هبل قال النبي :"الله أعلى وأجل" ولامقاربة بين الله وبين الصنم.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٨٠


الصفحة التالية
Icon