الخامس : الذين نازعوا في الحشر والنشر، والله تعالى أورد على صحة ذلك وعلى إبطال قول المنكرين أنواعاً كثيرة من الدلائل. السادس : الذين طعنوا في التكليف تارة بأنه لا فائدة فيه، فأجاب الله عنه بقوله :﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لانفُسِكُم وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ (الإسراء : ٧) وتارة بأن الحق هو الجبر، وأنه ينافي صحة التكليف، وأجاب الله تعالى عنه بأنه ﴿لا يُسْـاَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـاَلُونَ﴾ (الأنبياء : ٢٣) وإنما اكتفينا في هذا المقام بهذه الإشارات المختصرة لأن الاستقصاء فيها مذكور في جملة هذا الكتاب وإذا ثبت أن هذه الحرفة هي حرفة كل الأنبياء والرسل علمنا أن الطاعن فيها إما أن يكون كافراً أو جاهلاً. المقام الثاني : في بيان أن تحصيل هذا العلم من الواجبات، ويدل عليه المعقول والمنقول. أما المعقول : فهو أنه ليس تقليد البعض أولى من تقليد الباقي، فأما أن يجوز تقليد الكل فيلزمنا تقليد الكفار، وإما أن يوجب تقليد البعض دون البعض فيلزم أن يصير الرجل مكلفاً بتقليد البعض دون البعض من غير أن يكون له سبيل إلى أنه لم قلد أحدهما دون الآخر، وإما أن لا يجوز التقليد أصلاً وهو المطلوب، فإذا بطل التقليد لم يبق إلا هذه الطريقة النظرية. وأما المنقول فيدل عليه الآيات والأخبار أما الآيات. فأحدها : قوله :﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِا وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ (النحل : ١٢٥) ولا شك أن المراد بقوله بالحكمة أي بالبرهان والحجة، فكانت الدعوة / بالحجة والبرهان إلى الله تعالى مأموراً بها، وقوله :﴿وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ ليس المراد منه المجادلة في فروع الشرع لأن من أنكر نبوته فلا فائدة في الخوض معه في تفاريع الشرع، ومن أثبت نبوته فإنه لا يخالفه، فعلمنا أن هذا الجدال كان في التوحيد والنبوة، فكان الجدال فيه مأموراً به ثم إنا مأمورون باتباعه عليه السلام لقوله :﴿فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران : ٣١) ولقوله :﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب : ٢١) فوجب كوننا مأمورين بذلك الجدال. وثانيها : قوله تعالى :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَـادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٩
الحج : ٣، ٨ لقمان : ٢٠) ذم من يجادل في الله بغير علم وذلك يقتضي أن المجادل بالعلم لا يكون مذموماً بل يكون ممدوحاً وأيضاً حكى الله تعالى ذلك عن نوح في قوله :﴿قَالُوا يَـانُوحُ قَدْ جَـادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ (هود : ٣٢) وثالثها : أن الله تعالى أمر بالنظر فقال :﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ﴾ (النساء : ٨٢)، ﴿أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الابِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ (الغاشية : ١٧)، ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ﴾ (فصلت : ٥٣)، ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِى الارْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ (الرعد : ٤١)، ﴿قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ (يونس : ١٠)، أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض} ورابعها : أن الله تعالى ذكر التفكر في معرض المدح فقال : ورابعها : أن الله تعالى ذكر التفكر في معرض المدح فقال :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لَذِكْرَى لاوْلِى الالْبَـابِ﴾ (الزمر : ٢١)، ﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لَعِبْرَةً لاوْلِى الابْصَـارِ﴾ (آل عمران : ١٣)، ﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لاوْلِى﴾ (طه : ٥٤، ١٢٨) وأيضاً ذم المعرضين فقال :﴿وَكَأَيِّن مِّنْ ءَايَةٍ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ (يوسف : ١٠٥)، ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ (الأعراف : ١٧٩) وخامسها : أنه تعالى ذم التقليد، فقال حكاية عن الكفار ﴿وَكَذَالِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ﴾ (الزخرف : ٢٣) وقال :﴿بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ﴾ (لقمان : ٢١) وقال :﴿بَلْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ (الشعراء : ٧٤) وقال :﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ (الفرقان : ٤٢) وقال عن والد إبراهيم عليه السلام :﴿لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهِ لارْجُمَنَّكَا وَاهْجُرْنِى مَلِيًّا﴾
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٩


الصفحة التالية
Icon