والقول الثاني : إن قرار جهنم مقسوم سبعة أقسام : ولكل قسم باب، وعن ابن جريج : أولها : جهنم. ثم لظى. ثم الحطمة. ثم السعير. ثم سقر. ثم الجحيم. ثم الهاوية. قال الضحاك : الطبقة الأولى : فيها أهل التوحيد يعذبون على قدر أعمالهم ثم يخرجون. والثانية : لليهود. والثالثة : للنصارى. والرابعة : للصابئين. والخامسة : للمجوس. والسادسة : للمشركين. والسابعة : للمنافقين. وقوله :﴿لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ عاصم في رواية أبي بكر :﴿جُزْءٌ مَّقْسُومٌ﴾ والباقون (جز) بتخفيف الزاي. وقرأ الزهري :(جز) بالتشديد، كأنه حذف الهمزة وألقى حركتها على الزاي، كقولك : خب / في خبء/ ثم وقف عليه بالتشديد.
المسألة الثانية : الجزء بعض الشيء، والجمع الأجزاء، وجزأته جعلته أجزاء. والمعنى : أنه تعالى يجزي أتباع إبليس إجزاء، بمعنى أنه يجعلهم أقساماً وفرقاً، ويدخل في كل قسم من أقسام جهنم طائفة من هؤلاء الطوائف. والسبب فيه أن مراتب الكفر مختلفة بالغلظ والخفة، فلا جرم صارت مراتب العذاب والعقاب مختلفة بالغلظ والخفة، والله أعلم.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٤٦
١٤٩
اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال أهل العقاب أتبعه بصفة أهل الثواب، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في قوله :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ قولان :
القول الأول : قال الجبائي وجمهور المعتزلة : القائلون بالوعيد المراد بالمتقين هم الذين اتقوا جميع المعاصي. قالوا : لأنه اسم مدح فلا يتناول إلا من يكون كذلك.
والقول الثاني : وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، وهو المنقول عن ابن عباس أن المراد الذين اتقوا الشرك بالله تعالى والكفر به. وأقول : هذا القول هو الحق الصحيح، والذي يدل عليه هو أن المتقى هو الآتي بالتقوى مرة واحدة، كما أن الضارب هو الآتي بالضرب مرة واحدة، والقاتل هو الآتي بالقتل مرة واحدة، فكما أنه ليس من شرط الوصف كونه ضارباً وقاتلاً كونه آتياً بجميع أنواع الضرب والقتل، فكذلك ليس من شرط صدق الوصف بكونه متقياً كونه آتياً بجميع أنواع التقوى، والذي يقوي هذا الكلام أن الآتي بفرد واحد من أفراد التقوى يكون آتياً بالتقوى، لأن كل فرد من أفراد الماهية فإنه يجب كونه مشتملاً على تلك الماهية، فالآتي بالتقوى يجب أن يكون متقياً، فثبت أن الآتي بفرد واحد من أفراد التقوى يصدق عليه كونه متقياً، ولهذا التحقيق اتفق المفسرون على أن ظاهر الأمر لا يفيد التكرار.
إذا ثبت هذا فنقول : ظاهر قوله :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ﴾ يقتضي حصول الجنات والعيون / لكل من اتقى عن شيء واحد، إلا أن الأمة مجمعة على أن التقوى عن الكفر شرط في حصول هذا الحكم، وأيضاً فإن هذه الآية وردت عقيب قول إبليس :﴿إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (الحجر : ٤٠) وعقيب قول الله تعالى :﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌ﴾ (الحجر : ٤٢) فلأجل هذه الدلائل اعتبرنا الإيمان في هذا الحكم فوجب أن لا يزيد فيه قيد آخر، لأن تخصيص العام لما كان بخلاف الظاهر فكلما كان التخصيص أقل كان أوفق لمقتضى الأصل والظاهر، فثبت أن قوله :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ﴾ يتناول جميع القائلين بلا إله إلا الله محمد رسول الله قولاً واعتقاداً سواء كانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصية وهذا تقرير بين، وكلام ظاهر.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٤٩
المسألة الثانية : قوله تعالى :﴿فِى جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ﴾ أما الجنات فأربعة لقوله تعالى :﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه جَنَّتَانِ﴾ (الرحمن : ٤٦) ثم قال :﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ (الرحمن : ٤٦) فيكون المجموع أربعة وقوله :﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه جَنَّتَانِ﴾ يؤكد ما قلناه، لأن من آمن بالله لا ينفك قلبه عن الخوف من الله تعالى وقوله :﴿وَلِمَنْ خَافَ﴾ يكفي في صدقه حصول هذا الخوف مرة واحدة، وأما العيون فيحتمل أن يكون المراد منها ما ذكر الله تعالى في قوله :﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُا أُكُلُهَا دَآاـاِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ا وَّعُقْبَى الْكَـافِرِينَ النَّارُ﴾ (محمد : ١٥) ويحتمل أن يكون المراد من هذه العيون ينابيع مغايرة لتلك الأنهار.


الصفحة التالية
Icon