قلنا : أما ذكر المملوك فليحصل الامتياز بينه وبين الحر لأن الحر قد يقال : إنه عبد الله، وأما قوله :﴿لا يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ﴾ قد يحصل الامتياز بينه وبين المكاتب وبين العبد المأذون، لأنهما لا يقدران على التصرف.
السؤال الثاني :﴿مِّنْ﴾ في قوله :﴿وَمَن رَّزَقْنَـاهُ﴾ ما هي ؟
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٤٨
قلنا : الظاهر إنها موصوفة كأنه قيل : وحراً ورزقناه ليطابق عبداً، ولا يمتنع أن تكون موصولة.
السؤال الثالث : لم قال :﴿يَسْتَوُانَ ﴾ على الجمع ؟
قلنا : معناه هل يستوي الأحرار والعبيد. ثم قال :﴿الْحَمْدُ لِلَّه ﴾ وفيه وجوه : الأول : قال ابن عباس : الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد. والثاني : المعنى أن كل الحمد لله، وليس شيء من الحمد للأصنام، لأنها لا نعمة لها على أحد. وقوله :﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ يعني أنهم لا يعلمون أن كل الحمد لله وليس شيء منه للأصنام. الثالث : قال القاضي في "التفسير" : قال الرسول عليه الصلاة والسلام :﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّه ﴾ ويحتمل أن يكون خطاباً لمن رزقه الله رزقاً حسناً أن يقول : الحمد لله على أن ميزه في هذه القدرة عن ذلك العبد الضعيف. الرابع : يحتمل أن يكون المراد أنه تعالى لما ذكر هذا المثل، وكان هذا مثلاً مطابقاً للغرض كاشفاً عن المقصود قال بعده :﴿الْحَمْدُ لِلَّه ﴾ يعني الحمد لله على قوة هذه الحجة وظهور هذه البينة. ثم قال :﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ يعني أنها مع غاية ظهورها ونهاية وضوحها لا يعلمها ولا يفهمها هؤلاء الضلال.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٤٨
٢٥٧
اعلم أنه تعالى أبطل قول عبدة الأوثان والأصنام بهذا المثل الثاني، وتقريره : أنه كما تقرر في أوائل العقول أن الأبكم العاجز لا يكون مساوياً في الفضل والشرف للناطق القادر الكامل مع استوائهما في البشرية، فلان يحكم بأن الجماد لا يكون مساوياً لرب العالمين في المعبودية كان أولى، ثم نقول : في الآية مسألتان :
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٥٧
المسألة الأولى : أنه تعالى وصف الرجل الأول بصفات :
الصفة الأولى : الأبكم وفي تفسيره أقوال نقلها الواحدي. الأول : قال أبو زيد رجل أبكم، وهو العيي المقحم، وقد بكم بكماً وبكامة، وقال أيضاً : الأبكم الأقطع اللسان وهو الذي لا يحسن الكلام. الثاني : روى ثعلب عن ابن الأعرابي : الأبكم الذي لا يعقل. الثالث : قال الزجاح : الأبكم المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر.
الصفة الثانية : قوله :﴿لا يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ﴾ وهو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل.
والصفة الثالثة : قوله :﴿كَلٌّ عَلَى مَوْلَـاهُ﴾ أي هذا الأبكم العاجز كل على مولاه. قال أهل المعاني : أصله من الغلظ الذي هو نفيض الحدة. يقال : كل السكين إذا غلظت شفرته فلم يقطع، وكل لسانه إذا غلظ فلم يقدر على الكلام، وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه. فقوله :﴿كَلٌّ عَلَى مَوْلَـاهُ﴾ أي غليظ وثقيل على مولاه.
الصفة الرابعة : قوله :﴿أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ﴾ أي أينما يرسله، ومعنى التوجيه أن ترسل صاحبك في وجه معين من الطريق. يقال : وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه. وقوله :﴿لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ﴾ معناه لأنه عاجز لا يحسن ولا يفهم. ثم قال تعالى :﴿هَلْ يَسْتَوِى هُوَ﴾ أي هذا الموصوف بهذه الصفات الأربع :﴿وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾ واعلم أن الآر بالعدل يجب أن يكون موصوفاً بالنطق وإلا لم يكن آمراً ويجب أن يكون قادراً، لأن الأمر مشعر بعلو المرتبة وذلك لا يحصل إلا مع كونه قادراً، ويجب أن يكون عالماً حتى يمكنه التمييز بين العدل وبين الجور. فثبت أن وصفه بأنه يأمر بالعدل يتضمن وصفه بكونه قادراً عالماً، وكونه آمراً يناقض كون الأول أبكم، وكونه قادراً يناقض وصف الأول بأنه لا يقدر على شيء وبأنه كل على مولاه، وكونه عالماً يناقض وصف الأول بأنه لا يأت بخير.
ثم قال تعالى :﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ معناه كونه عادلاً مبرأ عن الجور والعبث.
إذا ثبت هذا فنقول : ظاهر في بديهة العقل أن الأول والثاني لا يستويان، فكذا ههنا والله أعلم.
المسألة الثانية : في المراد بهذا المثل أقوال كما في المثل المتقدم.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٥٧
فالقول الأول : قال مجاهد : كل هذا مثل إله الخلق وما يدعى من دونه من الباطل. وأما الأبكم فمثل الصنم، لأنه لا ينطق ألبتة وكذلك لا يقدر على شيء، وأيضاً كل على عابديه لأنه لا ينفق عليهم وهم ينفقون عليه، وأيضاً إلى أي مهم توجه الصنم لم يأت بخير، وأما الذي يأمر بالعدل فهو الله سبحانه وتعالى.
والقول الثاني : أن المراد من هذا الأبكم : هو عبد لعثمان بن عفان كان ذلك العبد يكره الإسلام، وما كان فيه خير، ومولاه وهو عثمان بن عفان كان يأمر بالعدل ؛ وكان على الدين القويم والصراط المستقيم.


الصفحة التالية
Icon