المسألة الثالثة : روى الواحدي بإسناده عن الزجاج أنه قال : تبياناً في معنى اسم البيان ومثل التبيان التلقاء، وروى ثعلب عن الكوفيين، والمبرد عن البصريين أنهم قالوا : لم يأت من المصادر على تفعل إلا حرفان تبياناً وتلقاء/ وإذا تركت هذين اللفظين استوى لك القياس فقلت : في كل/ مصدر تفعال بفتح التاء مثل تسيار وتذكار وتكرار، وقلت : في كل اسم تفعال بكسر التاء مثل تقصار وتمثال.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٥٨
٢٦٣
واعلم أنه تعالى لما استقصى في شرح الوعد والوعيد والترغيب والترهيب أتبعه بقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ﴾ فجمع في هذه الآية ما يتصل بالتكليف فرضاً ونفلاً، وما يتصل بالأخلاق والآداب عموماً وخصوصاً، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في بيان فضائل هذه الآية روي عن ابن عباس أن عثمان بن مظعون الجمحي قال : ما أسلمت أولاً إلا حياء من محمد عليه السلام ولم يتقرر الإسلام في قلبي فحضرته ذات يوم فبينما هو يحدثني إذ رأيت بصره شخص إلى السماء ثم خفضه عن يمينه، ثم عاد لمثل ذلك فسألته فقال :"بينما أنا أحدثك إذا بجبريل نزل عن يميني فقال : يا محمد إن الله يأمر بالعدل والإحسان، العدل شهادة أن لا إله إلا الله والإحسان القيام بالفراض وإيتاء ذي القربى، أي صلة ذي القرابة وينهى عن الفحشاء والزنا، والمنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنة والبغي الاستطالة". قال عثمان : فوقع الإيمان في قلبي فأتيت أبا طالب فأخبرته فقال : يا معشر قريش اتبعوا ابن أخي ترشدوا ولئن كان صادقاً أو كاذباً فإنه ما يأمركم إلا بمكارم الأخلاق، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من عمه اللين قال : يا عماه أتأمر الناس أن يتبعوني وتدع نفسك وجهد عليه، فأبى أن يسلم فنزل قوله :﴿إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ (القصص : ٥٦) وعن ابن مسعود رضي الله عنه : إن أجمع آية في القرآن لخير وشر هذه الآية، وعن قتادة ليس من خلق حسن كان في الجاهلية يعمل ويستحب إلا أمر الله تعالى به في هذه الآية وليس من خلق سيء إلا نهى الله عنه في هذه الآية، وروى القاضي في "تفسيره" عن ابن ماجه عن علي عليه السلام أنه قال : أمر الله تعالى نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب، فخرج وأنا معه وأبو بكر فوقفنا على مجلس عليهم الوقار فقال أبو بكر : ممن القوم ؟
فقالوا : من شيبان بن ثعلبة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الشهادتين وإلى أن ينصروه فإن قريشاً كذبوه فقال/ مقرون بن عمرو : إلام تدعونا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم :﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ﴾ الآية فقال مقرون بن عمرو : دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك، وعن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآية على الوليد فاستعاده، ثم قال : إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وعن النبي صلى الله عليه وسلّم :"إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" والله أعلم.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٦٣
المسألة الثانية : في تفسير هذه الآية، أكثر الناس في تفسير هذه الآية قال ابن عباس في بعض الروايات العدل شهادة أن لا إله إلا اًّ، والإحسان أداء الفرائض وقال في رواية أخرى : العدل خلع الأنداد والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وأن تحب للناس ما تحب لنفسك فإن كان مؤمناً أحببت أن يزداد إيماناً، وإن كان كافراً أحببت أن يصير أخاك في الإسلام. وقال في رواية ثالثة : العدل هو التوحيد والإحسان الإخلاص فيه. وقال آخرون : يعني بالعدل في الأفعال والإحسان في الأقوال، فلا تفعل إلا ما هو عدل ولا تقل إلا ما هو إحسان وقوله :﴿وَإِيتَآى ِ ذِى الْقُرْبَى ﴾ يريد صلة الرحم بالمال فإن لم يكن فبالدعاء، روى أبو مسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :"إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم إن أهل البيت لكونوا فجاراً فتنمى أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم" وقوله :﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ﴾ قيل : الزنا، وقيل : البخل، وقيل : كل الذنوب سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وسواء كانت في القول أو في الفعل، وأما المنكر فقيل : إنه الكفر بالله تعالى، وقيل : المنكر ما لا يعرف في شريعة ولا سنة، وأما البغي فقيل : الكبر والظلم، وقيل : أن تبغي على أخيك.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٦٣


الصفحة التالية
Icon