المسألة الثانية : قال القاضي : دلت هذه الآية على أن هذه الأعمال مكروهة عند الله تعالى، والمكروه لا يكون مراداً له، فهذه الأعمال غير مرادة لله تعالى فبطل قول من يقول : كل ما دخل في الوجود فهو مراد لله تعالى. وإذا ثبت أنها ليست بإرادة الله تعالى وجب أن لا تكون مخلوقة له لأنها لو كانت مخلوقة لله تعالى لكانت مرادة له لا يقال : المراد من كونها مكروهة أن الله تعالى نهى عنها، وأيضاً معنى كونها مكروهة أن الله تعالى كره وقوعها وعلى هذا التقدير فهذا لا يمنع أن الله تعالى أراد وجودها، لأن الجواب عن الأول أنه عدول عن الظاهر، وأيضاً فكونها سيئة عند ربك يدل على كونها منهياً عنها فلو حملنا المكروه على النهي لزم التكرار.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٤٣
والجواب عن الثاني : أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الزجر عن هذه الأفعال، ولا يليق بهذا الموضع أن يقال : إنه يكره وقوعها هذا تمام هذا الاستدلال.
والجواب : أن المراد من المكروه المنهي عنه ولا بأس بالتكرير لأجل التأكيد والله أعلم.
المسألة الثالثة : قال القاضي : دلت هذه الآية على أنه تعالى كما أنه موصوف بكونه مريداً فكذلك أيضاً موصوف بكونه كارهاً. وقال أصحابنا : الكراهية في حقه تعالى محمولة إما على النهي أو على إرادة العدم. والله أعلم.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٤٣
٣٤٥
اعلم أنه تعالى جمع في هذه الآية خمسة وعشرين نوعاً من التكاليف. فأولها : قوله :﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ﴾ (الإسراء : ٢٢) وقوله :﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ (الإسراء : ٢٣) مشتمل على تكليفين : الأمر بعبادة الله تعالى، والنهي عن عبادة غير الله، فكان المجموع ثلاثة. وقوله :﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَـانًا ﴾ (الإسراء : ٢٣) هو الرابع، ثم ذكر في شرح ذلك الإحسان خمسة أخرى وهي : قوله :﴿فَلا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ (الإسراء : ٢٣، ٢٤) فيكون المجموع تسعة، ثم قال :﴿وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ وهو ثلاثة فيكون المجموع إثني عشر. ثم قال :﴿وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ (الإسراء : ٢٦) فيصير ثلاثة عشر. ثم قال :﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلا مَّيْسُورًا﴾ وهو الرابع عشر ثم قال :﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ (الإسراء : ٢٨، ٢٩) إلى آخر الآية وهو الخامس عشر، ثم قال :﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ﴾ (الإسراء : ٣١) وهو السادس عشر، ثم قال :﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ﴾ وهو السابع عشر ثم قال :﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّه سُلْطَـانًا﴾ وهو الثامن عشر، ثم قال :﴿فَلا يُسْرِف فِّى الْقَتْلِ ﴾ (الإسراء : ٣٣) وهو التاسع عشر، ثم قال :﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ﴾ (الإسراء : ٣٤) وهو العشرون. ثم قال :﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ﴾ وهو الحادي والعشرون، ثم قال :﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ (الإسراء : ٣٥) وهو الثاني والعشرون، ثم قال :﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ ﴾ (الإسراء : ٣٦) وهو الثالث والعشرون، ثم قال :﴿وَلا تَمْشِ فِى الارْضِ مَرَحًا ﴾ (الإسراء : ٣٧) وهو الرابع والعشرون، ثم قال :﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ﴾ وهو الخامس والعشرون، فهذه خمسة وعشرون نوعاً من التكاليف بعضها أوامر وبعضها نواه جمعها الله تعالى في هذه الآيات وجعل فاتحتها قوله :﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ﴾ (الإسراء : ٢٢) وخاتمتها قوله :﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٤٥
إذا عرفت هذا فنقول : ههنا فوائد :


الصفحة التالية
Icon