السؤال الأول : أن إبليس هل كان عالماً بأن الذي تكلم معه بقوله :﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم﴾ هو إله العالم أو لم يعلم ذلك ؟
فإن علم ذلك ثم إنه تعالى قال :﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَآءً مَّوْفُورًا﴾ فكيف لم يصر هذا الوعيد الشديد مانعاً له من المعصية مع أنه سمعه من الله تعالى من غير واسطة ؟
وإن لم يعلم أن هذا القائل هو إله العالم، فكيف قال :﴿قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَـاذَا الَّذِى كَرَّمْتَ﴾.
والجواب : لعله كان شاكاً في الكل أو كان يقول في كل قسم ما يخطر بباله على سبيل الظن.
والسؤال الثاني : ما الحكمة في أنه تعالى أنظره إلى يوم القيامة ومكنه من الوسوسة ؟
والحكيم إذا أراد أمراً وعلم أن شيئاً من الأشياء يمنع من حصوله فإنه لا يسعى في تحصيل ذلك المانع.
والجواب : أما مذهبنا فظاهر في هذا الباب، وأما المعتزلة فلهم قولان : قال الجبائي : علم الله تعالى أن الذين كفروا عند وسوسة إبليس يكفرون بتقدير أن لا يوجد إبليس، وإذا كان كذلك لم يكن في وجوده مزيد مفسدة، وقال أبو هاشم : لا يبعد أن يحصل من وجوده مزيد مفسدة، إلا أنه تعالى أبقاه تشديداً للتكليف على الخلق ليستحقوا بسبب ذلك التشديد مزيد الثواب، وهذان الوجهان قد ذكرناهما في سورة الأعراف والحجر، وبالغنا في الكشف عنهما، والله أعلم.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٧٠
٣٧٢
اعلم أنه تعالى عاد إلى ذكر الدلائل الدالة على قدرته وحكمته ورحمته، وقد ذكرنا أن المقصود الأعظم في هذا الكتاب الكريم تقرير دلائل التوحيد، فإذا امتد الكلام في فصل من الفصول عاد الكلام بعده إلى ذكر دلائل التوحيد، والمذكور ههنا الوجوه المستنبطة من الانعامات في أحوال ركوب البحر.
فالنوع الأول : كيفية حركة الفلك على وجه البحر وهو قوله :﴿رَّبُّكُمُ الَّذِى يُزْجِى لَكُمُ الْفُلْكَ فِى الْبَحْرِ﴾ والإزجاء سوق الشيء حالاً بعد حال، وقد ذكرنا ذلك في تفسير قوله :﴿بِبِضَـاعَةٍ مُّزْجَـاـاةٍ﴾ والمعنى : ربكم الذي يسير الفلك على وجه البحر لتبتغوا من فضله في طلب التجارة إنه كان بكم رحيماً، والخطاب في قوله :﴿رَبُّكُمْ﴾ وفي قوله :﴿إِنَّه كَانَ بِكُمْ﴾ عام في حق الكل، والمراد من الرحمة منافع الدنيا ومصالحها.
والنوع الثاني : قوله :﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِى الْبَحْرِ﴾ والمراد من الضر، الخوف الشديد كخوف الغرق :﴿ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاه ﴾ والمراد أن الإنسان في تلك الحالة لا يتضرع إلى الصنم والشمس والقمر والملك والفلك. وإنما يتضرع إلى الله تعالى، فلما نجاكم من الغرق والبحر وأخرجكم إلى البر أعرضتم عن الإيمان والإخلاص ﴿وَكَانَ الانسَـانُ كَفُورًا﴾ لنعم الله بسبب أن عند الشدة / يتمسك بفضله ورحمته، وعند الرخاء والراحة يعرض عنه ويتمسك بغيره.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٧٢


الصفحة التالية
Icon