النوع الأول : قوله :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ﴾ واعلم أن الإنسان جوهر مركب من النفس، والبدن، فالنفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في العالم السفلي، وبدنه أشرف الأجسام الموجودة في العالم السفلي. وتقرير هذه الفضيلة في النفس الإنسانية هي أن النفس الإنسانية قواها الأصلية ثلاث. وهي الأغتذاء والنمو والتوليد، والنفس الحيوانية لها قوتان الحساسة سواء كانت ظاهرة أو باطنة، والحركة بالاختيار، فهذه القوى الخمسة أعني الاغتذاء والنمو والتوليد والحس والحركة حاصلة للنفس الإنسانية، ثم إن النفس الإنسانية مختصة بقوة أخرى وهي القوة العاقلة المدركة لحقائق الأشياء كما هي. وهي التي يتجلى فيها نور معرفة الله تعالى ويشرق فيها ضوء كبريائه وهو الذي يطلع على أسرار عالمي الخلق والأمر ويحيط بأقسام مخلوقات الله من الأرواح والأجسام كما هي وهذه القوة من تلقيح الجواهر القدسية والأرواح المجردة الإلهية، فهذه القوة لا نسبة لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى النباتية والحيوانية، وإذا كان الأمر كذلك ظهر أن النفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم وإن أردت أن تعرف فضائل القوة العقلية ونقصانات القوى الجسمية، فتأمل ما كتبناه في هذا الكتاب في تفسير قوله تعالى :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ (النور : ٣٥) فإنا ذكرنا هناك عشرين وجهاً في بيان أن القوة العقلية أجل وأعلى من القوة الجسمية فلا فائدة في الإعادة، وأما بيان أن البدن الإنساني أشرف أجسام هذا العالم، فالمفسرون إنما ذكروا في تفسير قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ﴾ هذا النوع من الفضائل وذكروا أشياء، أحدها : روى ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ﴾ قال : كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم فإنه يأكل بيديه. وقيل : إن الرشيد أحضرت عنده أطعمة فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف، فقال له : جاء في / التفسير عن جدك في قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ﴾ جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فرد الملاعق وأكل بأصابعه. وثانيها : قال الضحاك : بالنطق والتمييز وتحقيق الكلام أن من عرف شيئاً، فأما أن يعجز عن تعريف غيره كونه عارفاً بذلك الشيء أو يقدر على هذا التعريف.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٧٥
أما القسم الأول : فهو حال جملة الحيوانات سوى الإنسان، فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن تعريف غيرها تلك الأحوال تعريفاً تاماً وافيا.
وأما القسم الثاني : فهو الإنسان، فإنه يمكنه تعريف غيره كل ما عرفه ووقف عليه وأحاط به فكونه قادراً على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقاً، وبهذا البيان ظهر أن الإنسان الأخرس داخل في هذا الوصف، لأنه وإن عجز عن تعريف غيره ما في قلبه بطريق اللسان، فإنه يمكنه ذلك بطريق الإشارة وبطريقة الكتابة وغيرهما ولا يدخل فيه الببغاء، لأنه وإن قدر على تعريفات قليلة، فلا قدرة له على تعريف جميع الأحوال على سبيل الكمال والتمام. وثالثها : قال عطاء : بامتداد القامة.


الصفحة التالية
Icon