واعلم أن هذا الكلام غير تام لأن الأشجار أطور من قامة الإنسان بل ينبغي أن يشترط فيه شرط/ وهو طول القامة مع استكمال القوة العقلية، والقوى الحسية والحركية. ورابعها : قال بيان بحسن الصورة، والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ (غافر : ٦٤) لما ذكر الله تعالى خلقة الإنسان قال :﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـالِقِينَ﴾ وقال :﴿صِبْغَةَ اللَّه وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾ (البقرة : ١٣٨) وإن شئت فتأمل عضواً واحداً من أعضاء الإنسان وهو العين فخلق الحدقة سوداء ثم أحاط بذلك السواد بياض العين ثم أحاط بذلك البياض سواد الأشفار ثم أحاط بذلك السواد بياض الأجفان ثم خلق فوق بياض الجفن سواد الحاجبين ثم خلق فوق ذلك السواد بياض الجبهة ثم خلق فوق بياض الجبهة سواد الشعر، وليكن هذا المثال الواحد أنموذجاً لك في هذا الباب. وخامسها : قال بعضهم من كرامات الآدمي أن آتاه الله الخط. وتحقيق الكلام في هذا الباب أن العلم الذي يقدر الإنسان على استنباطه يكون قليلاً. أما إذا استنبط الإنسان علماً وأودعه في الكتاب، وجاء الإنسان الثاني واستعان بذلك الكتاب، وضم إليه من عند نفسه أشياء أخرى ثم لا يزالون يتعاقبون، ويضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علم المتقدمين كثرت العلوم وقويت الفضائل والمعارف وانتهت المباحث العقلية والمطالب الشرعية إلى أقصى الغايات وأكمل النهايات، ومعلوم أن هذا الباب لا يتأتى إلا بواسطة الخط والكتبة، ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى :﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الانسَـانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. وسادسها : أن أجسام هذا العالم إما بسائط وإما مركبات، أما البسائط فهي الأرض والماء / والهواء والنار. والإنسان ينتفع بكل هذه الأربع، أما الأرض فهي لنا كالأم الحاضنة. قال تعالى :﴿مِنْهَا خَلَقْنَـاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ (طه : ٥٥) وقد سماها الله تعالى بأسماء بالنسبة إلينا، وهي الفراش والمهد، والمهاد، وأما الماء فانتفاعنا به في الشرب والزراعة والحراثة ظاهر، وأيضاً سخر البحر لنأكل منه لحماً طرياً، ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر فيه، وأما الهواء فهو مادة حياتنا، ولولا هبوب الرياح لاستولى النتن على هذه المعمورة، وأما النار فيها طبخ الأغذية والأشربة ونضجها، وهي قائمة مقام الشمس والقمر في الليالي المظلمة، وهي الدافعة لضرر البرد كما قال الشاعر :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٧٥
ومن يرد في الشتاء فاكهة
فإن نار الشتاء فاكهته


الصفحة التالية
Icon