المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو عن عاصم خلفك بفتح الخاء وسكون اللام / والباقون خلافك زعم الأخفش أن خلافك في معنى خلفك وروى ذلك يونس عن عيسى وهذا كقوله :﴿بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ (التوبة : ٨١) وقال الشاعر :
عفت الديار خلافهم فكأنما
بسط الشواطب بينهن حصير
قال صاحب "الكشاف" قرىء لا يلبثون وفي قراءة أبي لا يلبثوا على إعمال إذن، فإن قيل : ما وجه القراءتين ؟
قلنا : أما السابقة فقد عطف فيها الفعل على الفعل وهو مرفوع لوقوعه خبر كاد والفعل في خير كاد واقع موقع الاسم وأما قراءة أبي ففيها الجملة برأسها التي هي قوله :﴿إِذًا ابْتَغَوْا إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلا﴾ عطف على جملة قوله :﴿وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ ثم قال تعالى :﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ﴾ يعني أن كل قوم أخرجوا نبيهم من ظهرانيهم فسنة الله أن يهلكهم فقوله :﴿سَنَةٍ﴾ نصب على المصدر المؤكد أي سننا ذلك سنة فيمن قد أرسلنا قبلك ثم قال :﴿وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا﴾ والمعنى أن ما أجرى الله تعالى به العادة لم يتهيأ لأحد أن يقلب تلك العادة وتمام الكلام في هذا الباب أن اختصاص كل حادث بوقته المعين وصفته المعينة ليس أمراً ثابتاً له لذاته وإلا لزم أن يدوم أبداً على تلك الحالة وأن لا يتميز الشيء عما يماثله في تلك الصفات بل إنما يحصل ذلك الاختصاص بتخصيص المخصص وذلك التخصيص هو أنه تعالى يريد تحصيله في ذلك الوقت ثم تتعلق قدرته بتحصيله في ذلك الوقت ثم يتعلق علمه بحصوله في ذلك الوقت ثم نقول هذه الصفات الثلاثة التي هي المؤثرة في حصول ذلك الاختصاص إن كانت حادثة افتقر حدوثها إلى تخصيص آخر ولزم التسلل وهو محال وإن كانت قديمة فالقديم يمتنع تغيره لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه ولما كان التغير على تلك الصفات المؤثرة في ذلك الاختصاص ممتنعاً كان التغير في تلك الأشياء المقدرة ممتنعاً فثبت بهذا البرهان صحة قوله تعالى :﴿وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا﴾.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٨٢
٣٨٩
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : في النظم وجوه. الأول : أنه تعالى لما قرر أمر الالهيات والمعاد والنبوات أردفها بذكر الأمر بالطاعات بعد الإيمان وأشرف الطاعات بعد الإيمان الصلاة فلهذا السبب أمر بها. الثاني : أنه تعالى لما قال :﴿وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الارْضِ﴾ أمره تعالى بالإقبال على عبادته لكي ينصره عليهم فكأنه قيل له لا تبال بسعيهم في إخراجك من بلدتك ولا تلتفت إليهم واشتغل بعبادة الله تعالى وداوم على أداء الصلوات فإنه تعالى يدفع مكرهم وشرهم عنك ويجعل يدك فوق أيديهم ودينك غالباً على أديانهم ونظيره قوله في سورة طه :﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَآى ِ الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ﴾ (طه : ١٣٠) وقال :﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّـاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر : ٩٧ ـ ٩٩) والوجه الثالث : في تقرير النظم أن اليهود لما قالوا له اذهب إلى الشام فإنه مسكن الأنبياء عزم صلى الله عليه وسلّم على الذهاب إليه فكأنه قيل له المعبود واحد في كل البلاد وما النصرة والدولة إلا بتأييده ونصرته فداوم على الصلوات وارجع إلى مقرك ومسكنك وإذا دخلته ورجعت إليه فقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي في هذا البلد سلطاناً نصيراً في تقرير دينك وإظهار شرعك والله أعلم.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٣٨٩