جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٠٠
٥٠١
اعلم أن الضمير في قوله بعضهم عائد إلى :﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ وقوله :﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ فيه وجوه : الأول : أن يوم السد ماج بعضهم في بعض خلفه لما منعوا من الخروج. الثاني : أن عند الخروج يموج بعضهم في بعض قيل إنهم حين يخرجون من وراء السد يموجون مزدحمين في البلاد يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ويأكلون لحوم الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله عليهم حيوانات فتدخل آذانهم فيموتون. والقول الثالث : أن المراد من قوله :﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ يوم القيامة وكل ذلك محتمل إلا أن الأقرب أن / المراد الوقت الذي جعل الله ذلك السد دكاً فعنده ماج بعضهم في بعض وبعده نفخ في الصور وصار ذلك من آيات القيامة، والكلام في الصور قد تقدم وسيجيء من بعد، وأما عرض جهنم وإبرازه حتى يصير مكشوفاً بأهواله فذلك يجري مجرى عقاب الكفار لما يتداخلهم من الغم العظيم، وبين تعالى أنه يكشفه للكافرين الذين عموا وصموا، أما العمى فهو المراد من قوله :﴿كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَآءٍ عَن ذِكْرِى﴾ والمراد منه شدة انصرافهم عن قبول الحق، وأما الصمم فهو المراد من قوله :﴿وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ يعني أن حالتهم أعظم من الصمم لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء زالت عنهم تلك الاستطاعة واحتج الأصحاب بقوله :﴿وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ على أن الاستطاعة مع الفعل وذلك لأنهم لما لم يسمعوا لم يستطيعوا، قال القاضي : المراد منه نفرتهم عن سماع ذلك الكلام واستثقالهم إياه كقول الرجل : لا أستطيع النظر إلى فلان.
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٠١
٥٠٢
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما بين من حال الكافرين أنهم أعرضوا عن الذكر وعن استماع ما جاء به الرسول أتبعه بقوله :﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَآءَ ﴾ والمراد أفظنوا أنهم ينتفعون بما عبدوه مع إعراضهم عن تدبر الآيات وتمردهم عن قبول أمره وأمر رسوله وهو استفهام على سبيل التوبيخ.
المسألة الثانية ؛ قرأ أبو بكر ولم يرفعه إلى عاصم :﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بسكون السين ورفع الباء. وهي من الأحرف التي خالف فيها عاصماً، وذكر أنه قراءة أمير المؤمنين علي بن / أبي طالب، وعلى هذا التقدير فقوله : حسب مبتدأ، أن يتخذوا خبر، والمعنى أفكافيهم وحسبهم أن يتخذوا كذا وكذا، وأما الباقون فقرأوا فحسب على لفظ الماضي، وعلى هذا التقدير ففيه حذف والمعنى : أفحسب الذين كفروا اتخاذ عبادي أولياء نافعاً.
المسألة الثالثة : في العباد أقوال قيل : أراد عيسى والملائكة، وقيل : هم الشياطين يوالونهم ويطيعونهم، وقيل : هي الأصنام سماهم عباداً كقوله :﴿عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾، ثم قال تعالى :﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـافِرِينَ نُزُلا﴾ وفي النزل قولان : الأول : قال الزجاج إنه المأوى والمنزل. والثاني : أنه الذي يقام للنزيل وهو الضيف، ونظيره قوله :﴿فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ثم ذكر تعالى ما نبه به على جهل القوم فقال :﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالاخْسَرِينَ أَعْمَـالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ قيل إنهم هم الرهبان كقوله تعالى :﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ وعن مجاهد أهل الكتاب وعن علي أن ابن الكواء سأله عنهم فقال : هم أهل حروراء والأصل أن يقال هو الذي يأتي بالأعمال يظنها طاعات وهي في أنفسها معاصي وإن كانت طاعات لكنها لا تقبل منهم لأجل كفرهم فأولئك إنما أتوا بتلك الأعمال لرجاء الثواب، وإنما أتبعوا أنفسهم فيها لطلب الأجر والفوز يوم القيامة فإذا لم يفوزوا بمطالبهم بين أنهم كانوا ضالين، ثم إنه تعالى بين صنعهم فقال :﴿ أولئك الَّذِينَ كَفَرُوا بِـاَايَـاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآاـاِه فَحَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ﴾ وفيه مسألتان :
جزء : ٢١ رقم الصفحة : ٥٠٢
المسألة الأولى : لقاء الله عبارة عن رؤيته بدليل أنه يقال : لقيت فلاناً أي رأيته، فإن قيل : اللقاء عبارة عن الوصول، قال تعالى :﴿فَالْتَقَى الْمَآءُ عَلَى ا أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ (القمر : ١٢) وذلك في حق الله تعالى محال، فوجب حمله على لقاء ثواب الله، والجواب أن لفظ اللقاء، وإن كان في الأصل عبارة عن الوصول والملاقاة إلا أن استعماله في الرؤية مجاز ظاهر مشهور، والذي يقولونه من أن المراد منه لقاء ثواب الله فهو لا يتم إلا بالإضمار، ومن المعلوم أن حمل اللفظ على المجاز المتعارف المشهور أولى من حمله على ما يحتاج معه إلى الإضمار.


الصفحة التالية
Icon