﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص : ١) من المحكمات لا من المتشابهات فلو كان مختصاً بالمكان لكان الجانب الذي منه يلي ما على يمينه غير الجانب الذي منه يلي ما على يساره فيكون مركباً منقسماً فلا يكون أحداً في الحقيقة فيبطل قوله :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾. وعاشرها : أن الخليل عليه السلام قال :﴿لا أُحِبُّ الافِلِينَ﴾ (الأنعام : ٧٦) ولو كان المعبود جسماً لكان آفلاً أبداً غائباً أبداً فكان يندرج تحت قوله :﴿لا أُحِبُّ الافِلِينَ﴾ فثبت بهذه الدلائل أن الإستقرار على الله تعالى محال وعند هذا للناس فيه قولان، الأول : أنا لا نشتغل بالتأويل بل نقطع بأن الله تعالى منزه عن المكان والجهة ونترك تأويل الآية وروي الشيخ الغزالي عن بعض أصحاب الإمام أحمد بن حنبل أنه أول ثلاثة من الأخبار : قوله عليه السلام "الحجر الأسود يمين الله في الأرض"، وقوله عليه السلام :"قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن" وقوله عليه السلام :"إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" واعلم أن هذا القول ضعيف لوجهين : الأول : أنه إن قطع بأن الله تعالى منزه عن المكان والجهة فقد قطع بأن ليس مراد الله تعالى من الإستواء الجلوس وهذا هو التأويل. وإن لم يقطع بتنزيه الله تعالى عن المكان والجهة بل بقي شاكاً فيه فهو جاهل بالله تعالى، اللهم إلا أن يقول أنا قاطع بأنه ليس مراد الله تعالى ما يشعر به ظاهره بل مراده به شيء آخر ولكني لا أعين ذلك المراد خوفاً من الخطأ فهذا يكون قريباً، وهو أيضاً ضعيف لأنه تعالى لما خاطبنا بلسان العرب وجب أن لا يريد باللفظ إلا موضوعه في لسان العرب وإذا كان لا معنى للاستواء في اللغة إلا الاستقرار والإستيلاء وقد تعذر حمله على الإستقرار فوجب حمله على الإستيلاء وإلا لزم تعطيل اللفظ وإنه غير جائز. والثاني : وهو دلالة قاطعة على أنه لا بد من المصير إلى التأويل وهو أن / الدلالة العقلية لما قامت على امتناع الاستقرار ودل ظاهر لفظ الاستواء على معنى الاستقرار، فإما أن نعمل بكل واحد من الدليلين، وإما أن نتركهما معاً، وإما أن نرجح النقل على العقل، وإما أن نرجح العقل ونؤول النقل. والأول باطل وإلا لزم أن يكون الشيء الواحد منزهاً عن المكان وحاصلاً في المكان وهو محال. والثاني : أيضاً محال لأنه يلزم رفع النقيضين معاً وهو باطل. والثالث : باطل لأن العقل أصل النقل فإنه ما لم يثبت بالدلائل العقلية وجود الصانع وعلمه وقدرته وبعثته للرسل لم يثبت النقل فالقدح في العقل يقتضي القدح في العقل والنقل معاً، فلم يبق إلا أن نقطع بصحة العقل ونشتغل بتأويل النقل وهذا برهان قاطع في المقصود إذا ثبت هذا فنقول قال بعض العلماء المراد من الإستواء الإستيلاء قال الشاعر :
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٥
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق


الصفحة التالية
Icon