البحث الأول : اعلم أن مراتب التوحيد أربع. أحدها : الإقرار باللسان. والثاني : الاعتقاد بالقلب. والثالث : تأكيد ذلك الاعتقاد بالحجة. والرابع : أن يصير العبد مغموراً في بحر التوحيد بحيث لا يدور في خاطره شيء غير عرفان الأحد الصمد. أما الإقرار باللسان فإن وجد خالياً عن الاعتقاد بالقلب فذلك هو المنافق، وأما الاعتقاد بالقلب إذا وجد خالياً عن الإقرار باللسان ففيه صور. الصورة الأولى : أن من نظر وعرف الله تعالى وكما عرفه مات قبل أن يمضي عليه من الوقت ما يمكنه التلفظ بكلمة الشهادة فقال قوم إنه لا يتم إيمانه والحق أنه يتم لأنه أدى ما كلف به وعجز عن التلفظ به فلا يبقى مخاطباً، ورأيت في (بعض) الكتب أن ملك الموت / مكتوب على جبهته لا إله إلا الله لكي إذا رآه المؤمن تذكر كلمة الشهادة فيكفيه ذلك التذكر عن الذكر. الصورة الثانية : أن من عرف الله ومضى عليه من الوقت ما يمكنه التلفظ بالكلمة ولكنه قصر فيه، قال الشيخ الغزالي : يحتمل أن يقال اللسان ترجمان القلب فإذا حصل المقصود في القلب كان امتناعه من التلفظ جارياً مجرى امتناعه من الصلاة والزكاة وكيف يكون من أهل النار، وقد قال عليه السلام :"يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان" وقلب هذا الرجل مملوء من الإيمان ؟
وقال آخرون : الإيمان والكفر أمور شرعية نحن نعلم أن الممتنع من هذه الكلمة كافر. الصورة الثالثة : من أقر باللسان واعتقد بالقلب من غير دليل فهو مقلد والاختلاف في صحة إيمانه مشهور. أما المقام الثالث : وهو إثبات التوحيد بالدليل والبرهان فقد بينا في تفسير قوله تعالى :﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ (الأنبياء : ٢٢) أنه يمكن إثبات هذا المطلوب بالدلائل العقلية والسمعية واستقصينا القول فيها هناك. أما المقام الرابع : وهو الفناء في بحر التوحيد فقال المحققون : العرفان مبتدأ من تفريق ونقض وترك ورفض ممكن في جميع صفات هي من صفات الحق للذات المريدة بالصدق منتبه إلى الواحد القهار، ثم وقوف هذه الكلمات محيطة بأقصى نهايات درجات السائرين إلى الله تعالى.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٥
البحث الثاني : في الأخبار الواردة في التهليل، أولها : عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء : أستغفر الله ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات". وثانيها : قال عليه السلام :"إن الله تعالى خلق ملكاً من الملائكة قبل أن خلق السموات والأرض وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ماداً بها صوته لا يقطعها ولا يتنفس فيها ولا يتمها، فإذا أتمها أمر إسرافيل بالنفخ في الصور وقامت القيامة تعظيماً لله عز وجل". وثالثها : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال عليه السلام :"ما زلت أشفع إلى ربي ويشفعني وأشفع إليه ويشفعني حتى قلت : يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله قال يا محمد هذه ليست لك ولا لأحد وعزتي وجلالي لا أدع أحداً في النار قال لا إله إلا الله". وثانيها : قال سفيان الثوري : سألت جعفر بن محمد عن حم عسق قال : الحاء حكمه والميم ملكه والعين عظمته والسين سناؤه والقاف قدرته/ يقول الله جل ذكره : بحكمي وملكي وعظمتي وسنائي وقدرتي لا أعذب بالنار من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله. وخامسها : أن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"من قام في السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب له الله ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنى له بيتاً في الجنة".


الصفحة التالية
Icon