المسألة التاسعة : استدلت المعتزلة بقوله :﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ على أن كلام الله تعالى ليس بقديم إذ لو كان قديماً لكان الله قائلاً قبل وجود موسى اخلع نعليك يا موسى ومعلوم أن ذلك سفه فإن / الرجل في الدار الخالية إذا قال : يا زيد افعل ويا عمرو لا تفعل مع أن زيداً وعمراً لا يكونان حاضرين بعد ذلك جنوناً وسفهاً فكيف يليق ذلك بالإله سبحانه وتعالى وأجاب أصحابنا عنه من وجهين : الأول : أن كلامه تعالى وإن كان قديماً إلا أنه في الأزل لم يكن أمراً ولا نهياً. والثاني : أنه كان أمراً بمعنى أنه وجد في الأزل شيء لما استمر إلى ما لا يزال صار الشخص به مأموراً من غير وقوع التغير في ذلك الشيء كما أن القدرة تقتضي صحة الفعل ثم إنها كانت موجودة في الأزل من غير هذه الصحة فلما استمرت إلى ما لا يزال حصلت الصحة كذا ههنا وهذا الكلام فيه غموض وبحث دقيق.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٩
المسألة العاشرة : ليس في الآية دلالة على كراهة الصلاة والطواف في النعل والصحيح عدم الكراهة وذلك لأنا إن عللنا الأمر بخلع النعلين بتعظيم الوادي وتعظيم كلام الله كان الأمر مقصوراً على تلك الصورة، وإن عللناه بأن النعلين كانا من جلد حمار ميت فجائز أن يكون قد كان محظوراً لبس جلد الحمار الميت وإن كان مدبوغاً فإن كان كذلك فهو منسوخ بقوله عليه السلام :"أيما إيهاب دبغ فقد طهر" وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلّم في نعليه ثم خلعهما في الصلاة فخلع الناس نعالهم فلما سلم قال :"ما لكم خلعتم نعالكم" قالوا : خلعت فخلعنا قال :"فإن جبريل أخبرني أن فيهما قذراً" فلم يكره النبي صلى الله عليه وسلّم الصلاة في النعل وأنكر على الخالعين خلعهما وأخبرهم بأنه إنما خلعهما لما فيهما من القذر.
المسألة الحادية عشر : قرىء طوى بالضم والكسر منصرفاً وغير منصرف فمن نونه فهو اسم الوادي ومن لم ينونه ترك صرفه لأنه معدول عن طاوي فهو مثل عمر المعدول عن عامر ويجوز أن يكون اسماً للبقعة.
المسألة الثانية عشرة : في طوى وجوه : الأول : أنه اسم للوادي وهو قول عكرمة وابن زيد. والثاني : معناه مرتين نحو مثنى أي قدس الوادي مرتين أو نودي موسى عليه السلام نداءين يقال ناديته طوى أي مثنى. والثالث : طوى أي طياً قال ابن عباس رضي الله عنهما إنه مر بذلك الوادي ليلاً فطواه فكان المعنى بالوادي المقدس الذي طويته طياً أي قطعته حتى ارتفعت إلى أعلاه ومن ذهب إلى هذا قال طوى مصدر خرج عن لفظه كأنه قال : طويته طوى كما يقال هدى يهدي هدي والله أعلم.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ١٩
٢١
قرأ حمزة :(وإنا اخترناك) وقرأ أبي بن كعب :(وإني اخترتك) ههنا مسائل :
المسألة الأولى : معناه اخترتك للرسالة وللكلام الذي خصصتك به، وهذه الآية تدل على أن النبوة لا تحصل بالاستحقاق لأن قوله :﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ يدل على أن ذلك المنصب العلي إنما حصل لأن الله تعالى اختاره له ابتداء لا أنه استحقه على الله تعالى.
المسألة الثانية : قوله :﴿فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ فيه نهاية الهيبة والجلالة فكأنه قال : لقد جاءك أمر عظيم هائل فتأهب له واجعل كل عقلك وخاطرك مصروفاً إليه فقوله :﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ يفيد نهاية اللطف والرحمة وقوله :﴿فَاسْتَمِعْ﴾ يفيد نهاية الهيبة فيحصل له من الأول نهاية الرجاء ومن الثاني نهاية الخوف.
المسألة الثالثة : قوله :﴿إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إِلَـاهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِى﴾ يدل على أن علم الأصول مقدم على علم الفروع لأن التوحيد في علم الأصول والعبادة من علم الفروع وأيضاً الفاء في قوله :﴿فَاعْبُدْنِى﴾ تدل على أن عبادته إنما لزمت لإلهيته وهذا هو تحقيق العلماء أن الله هو المستحق للعبادة.


الصفحة التالية
Icon