المسألة الرابعة : أنه سبحانه بعد أن أمره بالتوحيد، أولاً ثم بالعبادة ثانياً، أمره بالصلاة ثالثاً احتج أصحابنا بهذه الآية على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة جائز من وجهين : الأول : أنه أمره بالعبادة ولم يذكر كيفية تلك العبادة فثبت أنه يجوز ورود المجمل منفكاً عن البيان. الثاني : أنه قال :﴿إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ﴾ ولم يبين كيفية الصلاة قال : القاضي لا يمتنع أن موسى عليه السلام قد عرف الصلاة التي تعبد الله تعالى بها شعيباً عليه السلام وغيره من الأنبياء فصار الخطاب متوجهاً إلى ذلك ويحتمل أنه تعالى بين له في الحال وأن كان المنقول في القرآن لم يذكر فيه إلا هذا القدر. والجواب : أما العذر الأول فإنه لا يتوجه في قوله تعالى :﴿فَاعْبُدْنِى﴾ وأيضاً فحمل مثل هذا الخطاب العظيم على فائدة جديدة أولى من حمله على أمر معلوم لأن موسى عليه السلام ما كان يشك في وجوب الصلاة التي جاء بها شعيب عليه السلام فلو حملنا قوله :﴿اتْلُ مَآ﴾ على ذلك لم يحصل من هذا الخطاب العظيم فائدة زائدة، أما لو حملناه على صلاة أخرى لحصلت الفائدة الزائدة، قوله : لعل الله تعالى بينه في ذلك الموضع وإن لم يحكه في القرآن قلنا لا نشك أن البيان أكثر فائدة من المجمل فلو كان مذكوراً لكان أولى بالحكاية.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٢١
المسألة الخامسة : في قوله :﴿لِذِكْرِى ﴾ وجوه : أحدها : لذكري يعني لتذكرني فإن ذكري أن أعبد ويصلي لي. وثانيها : لتذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار عن مجاهد. وثالثها : لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها. ورابعها : لأن أذكرك بالمدح والثناء واجعل لك لسان صدق. وخامسها : لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري. وسادسها : لإخلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضاً آخر. وسابعها : لتكون لي ذاكراً غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم كما قال تعالى :﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (النور : ٣٧) / وثامنها : لأوقات ذكرى وهي مواقيت الصلاة لقوله تعالى :﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَواةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَـامًا وَقُعُودًا﴾ (النساء : ١٠٣). وتاسعها :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ﴾ حين تذكرها أي أنك إذا نسيت صلاة فاقضها إذا ذكرتها. روى قتادة عن أنس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك" ثم قرأ :﴿إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ﴾ قال الخطابي يحتمل هذا الحديث وجهين. أحدهما : أنه لا يكفرها غير قضائها والآخر أنه لا يلزم في نسيانها غرامة ولا كفارة كما تلزم الكفارة في ترك صوم رمضان من غير عذر وكما يلزم المحرم إذا ترك شيئاً من نسكه فدية من إطعام أو دم. وإنما يصلي ما ترك فقط فإن قيل حق العبارة أن يقول أقم الصلاة لذكرها كما قال عليه السلام :"فليصلها إذا ذكرها" قلنا قوله :﴿لِذِكْرِى ﴾ معناه للذكر الحاصل بخلقي أو بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي.
جزء : ٢٢ رقم الصفحة : ٢١


الصفحة التالية
Icon